للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[عدل السماء]

للأستاذ حسن جلال. القاضي بالمحاكم الأهلية

الفرق بين عدل السماء وعدل الأرض هو بعينه فرق ما بين السماء والأرض. .!

فأما أهل الأرض فقد سلك كل منهم طريقا لتحقيق العدل في بلاده. فهذه دولة محاكمها تطبق قوانينها على الناس كما هو الحال في فرنسا وفى مصر. وتلك دولة أخرى تجري محاكمها على سنن الأحكام التي أصدرتها المحاكم من قبلها كما هو الحال في إنجلترا. وهؤلاء قوم لهم عادات مقررة وعرف موروث فتنعقد مجالسهم كلما دعا الحال لتحكيم تلك العادات وذلك العرف بين المتقاضين، وهذا هو شأن العرب المقيمين في مناطق الحدود المصرية. وأولئك قوم غيرهم يلجئون إلى السحرة والكهان للفصل في قضاياهم كما هو الحال عند بعض قبائل أفريقيا الوسطى. . . وكل هذه الهيئات إنما تجرى على النظام الذي اختارته، لأنها تعتقد أنه اكفل الطرق للوصول إلى العدل. وليس من شك في أن كلا من هذه النظم له نقائصه. ولكنه على كل حال آخر ما وصلت إليه الهيئة التي اختارته في سبيل تحقيق العدالة بين أفرادها. والخلاصة أن الإنسان لم يصل بعد إلى درجة الكمال في تشريعه، وانه بحاجة إلى موالاة الجهود في سبيل بلوغ هذا الكمال. والسؤال الذي يجيش بالنفس بعد هذه المقدمة هو: هل يستفاد مما سبق أن الظلم يملأ هذا العالم. وان العدالة فيه مستحيلة التحقيق؟ الواقع غير ذلك! بل أن المشاهد في معظم الأحوال أن العدالة محققة في هذه الدنيا. وان الناس راضون عن طريقة توزيعها بينهم. ومهما يكن من أمر الحالات التي يدل ظاهرها أحيانا على إنها لم تتوفر فيها عناصر العدالة فان (عدل السماء) غلاب. وهو الذي يتولى في هذه الحالات إقامة الميزان بين الناس. وما ربك بظلام للعبيد!

حدثني أحد الزملاء المحامين قال: وقعت جناية قتل في البلدة التي أعمل فيها، واتهم في تلك الجناية شاب من خيرة شبانها. ينتمي إلى أسرة من كبار الأسر فيها. فجاءني عمه يوكلني بالدفاع عنه. وأقسم لي أغلظ الأيمان أن أبن أخيه بريء وان أهل القتيل اتهموه لضغينة قديمة بينهم وبين أسرته، وإن القاتل معروف في البلد. وإن أهل القتيل هم أول من يعرفه. ولكنهم إمعاناً في الانتقام يريدون أن يأخذوا في قتيلهم رجلين. . واحداً يأخذه لهم القضاء بحكمه. وواحداً يقتصون منه بانفسهم كما هي العادة عند معظم أهل الصعيد. ولما

<<  <  ج:
ص:  >  >>