شغلتني الشواغل عن قراءة هذا الكتاب عند ظهوره، اعتمادا على أنني قرأت معظم فصوله منشورة في (الرسالة). . . فلما عدت إليه في هذه الأيام، وأنا أستعرض كتب النقد الحديث في المكتبة العربية عامة، وجدت أنني كنت مخطئا في اعتمادي على ما قرأته فصولا في الرسالة. فقراءة هذه الفصول شيء، وقراءة كتاب كامل في موضوع معين شيء آخر. ووجدت ان القضية التي يعرضها الكتاب جديرة بان تطور حولها الشروح والتعليقات، في هذا الأوان بالذات.
فللمرة الأولى بعد كتابَيْ (عبد القاهر) في القرن الرابع الهجري، تعرض قضية البلاغة على بساط البحث في هذا المحيط الشامل، وتناقش بوصفها وحدة في بحث مستقل، لا في صدد دراسة لكاتب أو كتاب.
ونحن قد نخالف الأستاذ في الكثير من قضايا هذا الكتاب كما نوافقه على أسس معينة لهذا البحث. ولكن هذا كله شيء آخر لا يمس القيمة الذاتية للكتاب في المكتبة العربية بوصفه أول علاج شامل لقضية البلاغة بعد كتابي عبد القاهر. لا يقف فيه مؤلفه عند الأدب العربي وحده، بل يسترشد كذلك بالنقاد الفرنسيين، وتطور المذاهب الأدبية هناك، كما يسترشد بالنقاد العرب، وتطور الأساليب في العصر الحديث.
وعنوان الكتاب قد يدل على موضوعه دلالة كافية (دفاع عن البلاغة) والأستاذ الزيات أولى الكتاب المعاصرين بالدفاع عن البلاغة فهو صاحب (مذهب التنسيق التعبيري) وضعت له عنوانه في كتابي القادم: (المذاهب الفنية المعاصرة) ذلك المذهبي المتفرع عن المنفلوطي، صاحب (مذهب الابتداع التعبيري).
والذي يجعل للتعبير وتنسيقه أهمية كبرى في الفن بل الذي يجعل الفن هو أساس هذا