للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[شلر]

للكاتب الكبير توماس كارليل

ترجمة الأستاذ يوسف عبد المسيح ثروت

لقد ساعد جوته شلر في أمور المعاشية حتى قبل معرفته به وصداقته له، وذلك بتقديمه وترشيحه لخدمة ولاية (وايمر) وتوظيفه في أكادمية بمرتب معين. وقد أدت هذه المساعدة التي جاءت لا على اعتبار عون؛ بل على اعتبار خدمة متقابلة إلى نتائج ذات أهمية دائمة. وقد ارتفع شلر إلى أوج عظمة الفن وهو مطمئن إلى عطف ورعاية ونصح صديق واحد بين مئات الأعداء. وهكذا - اعتماداً على هذا التأييد من قبل صديقه - استمر شلر في تقدمه ونجاحه غير ملتفت يسرة أو يمنة، وكانت أيامه مخصصة جميعا لتأدية واجبه الأقدس.

وقلما نجد إنساناً يمكن أن يساعد الآخر مثل هذه المساعدة وان يفيد مثل هذه الفائدة، لأننا تعودنا - كما هو الحال في الواقع - أن يكون الإحسان مبتذلا فيه الذلة والفجيعة وقلة الذوق، لان منشآتنا التي تقوم بمثل هذه الأعمال الخيرية هي مؤسسات تافهة ومضرة ولو أنها تتحصن بأسماء وألقاب. وأكثر من هذا إذ تفضل أحد أصدقائنا بمديد العون إلينا بإخلاص واهتمام، فهو لن يعمل على تفهم مشاكلنا ومعرفة احتياجاتنا الحقيقية حتى يمكننا من السير قدماً في طريقنا، بل نراه على العكس من ذلك يصير ببساطة غريبة، ويريدنا أن نغير اتجاهنا ونتبع سبيله الذي اختاره لنفسه، وبذلك يجعل أمر إصلاحنا غير ممكن لأننا لا ولن نقدر على ذلك. وهكذا فالناس كل بعيد عن الآخر، وليس لأحد أن يساعده جاره، بل أن ينتبه من جاره كي يأمن شره ويتوقى خطره ويتقي شواظ ناره وهو أمر صعب التحقيق.

لقد تحدثنا سابقاً عن حماسة شلر التام للأدب واعتبرنا ذلك وحده وظيفة توجته مدى الحياة. وأوضح دليل على حميته وغيرته للوصول إلى هذا الهدف في كل أدوار حياته، هو مواظبته على هذا المسعى حتى أواخر حياته، بالرغم من إصابته بمرض عضال هد حيله وزعزع أركان قوته. ولم يتجل نبل سجيته في أية مرحلة من تاريخه، كما تجلت في هذه المرحلة - مرحلة المرض - فقد برزت البطولة غير المنظورة وهي في عنفوانها عندما

<<  <  ج:
ص:  >  >>