للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[القصص]

٢ - الجارم البريء

للأستاذ حبيب الزحلاوي

ركنت إلى الريف أبيع سلعي لا أنفق إلا نادراً في شراء سيجارة أو كوبة شراب أو إرضاء رغبة متواضعة، وإن هبطت المدينة فإنما أهبطها لأدفع ما علي من دين لعميلي أو أودع في المصرف ما يتبقى معي من مال

أخذت أرقام ريالاتي تزداد أسبوعاً بعد أسبوع، وشهراً بعد شهر، فصرت أسخو بتحويل عشرات منها لوالدي ولأنيسة

لم يكن شيء في الوجود يعادل فرحي حينما كنت أقرأ كتاباً وارداً من والدي يقول أبي في خاتمه، (أما خادمتك أنيسة فتهديك السلام وتقبل يدك).

كنت اغتفر لوالدي تمسكه بعادات أصيلة واعتبارات تقليدية في كينونة المرأة، وكنت أطلق أعنة خيالي تجول في عوالم الرؤى أتصور نفسي ملقى عند أقدام (خادمتي) أنيسة أقبل يديها.

اجل يا صاحبي كنت ابعث بكتاب فيه تحويل مالي وألحف في طلب وصل بالاستلام لأقرأ تحيات بريئة ساذجة ولازمة مستحبة لا يحيد والدي عن تسيطرها بالنص الواحد في كل كتاب: (خادمتك أنيسة تهديك السلام وتقبل يدك).

اتقدت نيران الحرب العالمية عام ١٩١٤ وامتدت ألسنتها المحرقة إلى جميع أرجاء العالم القديم، أما العالم الجديد، ة برغم اشتراكه فيها في الساعة الأخيرة، فقد راجت أسواقه التجارية وعم الرخاء كل الناس. كنت أن أعجب من شيء فعجبي من أخبار كانت تنشرها صحفنا العربية في أمريكا عن بؤس الناس في لبنان وموت بعضهم جوعاً، ولم يكن يخامرني شك في أن أنيسة المحبوبة ووالدي العزيزين ابعد من أن ينالهم ما ينال الناس الذين تكلمت الصحف وأطالت في وصف حالهم!. انقطعت أسباب الاتصال بيني وبين أهلي، ولكني كنت أغالط نفسي، أتعمد المغالطة، فأرسل الرسائل والتحاويل المالية كالعادة إليهم بدون انقطاع، واتهم إدارات البريد بالتقصير في القيام بالواجب، وكنت أطمئن إلى المغالطة المستحبة لتحيد بي عن مجابهة الحقيقة. وما كادت أجراس الهدنة تدق معلنة

<<  <  ج:
ص:  >  >>