للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[الكتب]

سيرة السيد عمر مكرم

للأستاذ محمد فريد أبو حديد

بقلم الأديب توفيق الطويل

بارح الجيش الفرنسي أرض مصر بعد أن عرف الشعب مكانة ظالميه عند دفع العاديات، فرأي جيش السلطان لا يملك العودة إلى القاهرة إلا في ظلال أعوانه الإنجليز، ورأى المماليك يفرون إلى الشرق ويهربون إلى الغرب ويلتمسون صداقة الفرنسيين أو مرضاة العثمانيين أملا في العودة إلى حكم البلاد، فعرف الشعب من ذلك أن مصيره موكول إليه وأن اعتماده على غير نفسه غفلة وخداع لا ينبغي أن يطولا. وكان على يقين بأنه يستطيع أن يصمد للحرب الطاحنة وحده شهوراً وأياماً كما فعل في ثورته الثانية العنيفة على الجيش الفرنسي المنظم. وكان زعماء هذا الشعب الكريم تعوزهم التضحية وينقصهم الإخلاص، ينتفعون بتقلبهم مع الحومات على حساب الوطن المسكين سوى رجل واحد جمع الزعامة والجهاد والتضحية. كان ينزوي حين لا تنفع المقاومة، ويثور ثورة الأسد حين تمس الحاجة إلى الثورة والتمرد. . ذلك هو السيد عمر مكرم. . . فلما سمع صوت الشعب يدوي مطالباً بحكومة جديدة خرج من عزلته وتولى قيادته. واحتشدت جموع الشعب التي بلغت أربعين ألفا بجوار الأزهر على كثب من بيت القاضي الذي كان يجتمع فيه الزعماء لاختيار الوالي الجديد. وأنعقد إجماعهم على قبول (محمد علي باشا) والياً بعد أن رشحه الزعيم الأكبر (عمر مكرم) لما عرفوه عنه من الذكاء والعدل والشهامة والعطف على المصريين إزاء الطغاة من حاكمهم. . . وقبل الوالي الجديد ترشيحهم بعد تردد. . . فقام إليه السيد عمر مكرم والشيخ الشرقاوي وألبساه الكرك والقفطان في بيته وخلعا عليه حكم البلاد باسم الشعب المصري الكريم. وكان ذلك في ١٣ مايو سنة ١٨٠٥، فتميز الوالي القديم (خورشيد باشا) غضباً وقال: (ولأني السلطان فلن يعزلني الفلاحون) فلم يكن بد من أن ينزله هؤلاء الفلاحون بالقوة من قصره بالقلعة. وبدأ الكفاح المجيد بين شعب يفدي حاكمه الذي اختاره لنفسه بل يفدي حريته واستقلاله بالمهج والأرواح، وبين جيش يريد أن

<<  <  ج:
ص:  >  >>