للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[فلسفة نيتشه]

للأستاذ زكي نجيب محمود

لسنا نحسب أن داروين، حينما أذاع رأيه في تنازع البقاء وبقاء

الأصلح، كان يدور في خلده أن ذلك الرأي سيكون له من العمق

والسيطرة الفكرية ما له اليوم، وأنه لن يقتصر على الأحياء من نبات

وحيوان، بل سيتعداها إلى كل لون من ألوانالنشاط الإنساني؛ فأساليب

الحكم، والدين، والأدب، والفن، والفلسفة، كل هذا وما هو أدق من هذا

وأجل، يحاول الكتاب الآن أن يخضعوه إخضاعاً لقانون تنازع البقاء.

فعسانا لا نسرف في القول إذا زعمنا أن داروين هو رب الفكر

لحديث، يتأثر خطاه آلاف المفكرينوالكتاب، وأصبح بقاء الأصلح

غرض الرمي في الكثير الغالب من أبحاث العلم والفلسفة والفن جميعاً.

وفلسفة نيتشه هي واحدة من تلك الفلسفات العديدة التي يرجع نسبها إلى قانون داروين، فقد استولد نيتشه ذلك القانون واتخذ منه مقدمة، ثم استخرج فلسفته كنتيجة لازمة لتلك المقدمة، ولم يجد التردد إلى نفسه سبيلا في إذاعتها في الناس على خطورتها، واقعة ما وقعت من نفوسهم.

ما دام قانون تنازع البقاء وبقاء الأصلح يسيطر على كل مظاهر الحياة، فلابد للواهن أن يخور ويتلاشى، ولابد للقوة في كل شيء أن تظفر آخر الأمر، وإذا فالمثل الأعلى للفضيلة هي القوة دون سواها، والضعف هو علة العلل وآفة التقدم. فأيا كانت الأخلاق التي تثبت قدمها في معترك البقاء، فهي الفضيلة وهي الخير، وأيا كانت الأخلاق التي تخور قواها فتسقط صريعة في الميدان لتخلي الطريق لسواها فهي الرذيلة وهي الشر.

هكذا يبدأ نيتشه منطقه ثم يتابع هذا المنطق إلى نهايته، حتى يصل آخر الأمر إلى نتيجة خطيرة كل الخطر: إلى نبذ المسيحية بل إلى نبذ الأديان جميعا ما دامت تنتشر مبادئ العطف والإيثار والاستسلام؛ ثم ينادي بدوره بوجوب القسوة والقوة والعنف لأنها قوية،

<<  <  ج:
ص:  >  >>