عرفوا الفتوة في اللغة بأنها: الكرم والسخاء، والشجاعة والمروءة، فإذا عرفنا أن هذه الفضائل الخلقية كانت جماع الشرف والحمد في البيئة العربية أدركنا أن (الفتوة) كانت دلالة النبل والسمو في تلك البيئة. ولقد قالوا (لا فتى إلا علي) يعنون أنه كرم الله وجهه كان غاية في أدراك هذه الفضائل والشمائل، على أننا نجد معنى (الفتوة) فيما بعد الصدر الأول للإسلام قد أتسع في دلالته فاصبح يضم إلى ما سلف من الفضائل الخلقية فضيلة الإيثار والتضحية وإنكار الذات، وبهذا انتقلت (الفتوة) من طور إلى طور، فالفتى في الطور الأول كان فردا غايته أن يفعل ما يكسبه الحمد في قومه، وان يحافظ على شرفه الذي هو شرف قبيلته، أما في الطور الثاني فانه أصبح فردا يعيش لغيره ويؤثره على نفسه أو كما نقول في اصطلاح العصر: فردا يعيش للجماعة، وقد حدد الشاعر العربي هذه المعنى إذ يقول:
فإن فتى الفتيان من راح واغتدى ... لضر عدو أو لنفع صديق
ويظهر أن (الفتوة) قد ابتدأت تتميز في البيئة الإسلامية كظاهرة من ظواهر المجاهدة وكمرحلة من مراحل التصوف، على عهد الحسن البصري ومما يؤثر عن الحسن قوله:(كان الفني إذا نسك لم نعرفه بمنطقة وإنما نعرفه بعمله) وبهذه المعنى تلكم في (الفتوة) جعفر الصادق، ثم الفضل، ثم الإمام أحمد، ثم سهل، فالجنيد، وإضرابهم من الصوفية. قال علي بن أبي بكر الاهوازي (إن أصل الفتوة إلا أن يكون العبد أبدا في أمر غيره) وقال بعضهم في تفسير قوله تعالى (قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم) أن الفتوة هي كسر إبراهيم للصنم، وصنم كل أنسان نفسه، فمن خالف هواه فهو فتى على الحقيقة وهكذا نجد (الفتوة قد اتخذت في البيئة الصوفية مظهرا يلائم تلك البيئة في اتجاهاتها وفي أهدافها. . .
والكلام على ما كان من نظام (الفتوة) في محيط الصوفية يحتاج إلى حيز كبير، وقد يقتضي ذلك كتابا برمته، فحسبنا تلك الإشارة العابرة، لأننا نقصد في هذه المقال إلى الكلام عن (الفتوة) إذ تمثلت في المجتمع الإسلامي نظاما له أهدافه السياسية والاجتماعية والخلقية، وقد كان ذلك على عهد الخليفة العباسي الناصر لدين الله، فهو الذي فرغ لهذا