تحت هذا العنوان وفي العدد الرابع عشر من مجلة الرسالة الغراء عقد العالم البحاثة الدكتور النابغة احمد زكي وكيل كلية العلوم بالجامعة المصرية فصلا قيما وبحثا ممتعا. عن الحمى وفوائدها، قال في بدايته (الحمى من قديم الزمان عرض مخوف وطارق مرهوب وكثيرا ما كانت رسول الموت وقائد الحي تحدو ركبه إلى وادي الفناء. ولكن في هذه الأيام القريبة الماضية. نشأت فكرة أخذت تحل محلا ذا بال في رؤوس البحاثة من الأطباء أو في رؤوس القليل منهم الذين لا تزعجهم غرابة الخاطر، ولا يصرفهم عن أمره خروجه عن المألوف، ومحصول هذه الفكرة أن الحمى ذلك العدو القديم للحياة، قد تنقلب، أو يمكن تأليفها وقلبها إلى صديق نصير، فبدل أن تكون عونا على الداء، تصبح عونا على الشفاء، في بعض الأمراض التي عجز عنها الطب وحار فيها الأطباء).
ونحن نقول للدكتور الفاضل بكل تواضع واحترام إن هذه الفكرة التي انتهى اليها الباحثون والأطباء الغربيون اليوم. وقف عليها أطباء العرب من عشرات القرون الماضية، حينما كان آباء هؤلاء العلماء يسكنون المغاور، ويلجئون إلى الكهوف. فقد جاء في الصفحة الأولى بعد السبعين من كتب (زاد المعاد في هدى خير العباد للإمام الحافظ أبي عبد الله بن نعيم الجوزي) ما يأتي:
(وقد ينتفع البدن بالحمى انتفاعا عظيما لا يبلغه الدواء، وكثيرا ما تكون الحمى سببا لإنضاج مواد غليظة لم تكن تنضج بدونها وسببا لتفتح سدد لم تكن تصل اليها الأدوية المفتحة. وأما الرمد الحديث والمتقادم فأنها تبريء أكثر أنواعه برءا عجيبا سريعا، وتنفع من الفالج واللقوة والتشنج الامتلائي وكثير من الأمراض الحادثة عن الفضول الغليظة، وقال لي بعض فضلاء الأطباء أن كثيرا من الأمراض نستبشر فيها بالحمى كما يستبشر المريض بالعافية، فتكون الحمى أنفع فيه من شرب الدواء بكثير، فإنها تنضج من الأخلاط والمواد الفاسدة ما يضر بالبدن، فاذا أنضجتها صادفها الدواء متهيئة للخروج بنضاجها فأخرجها فكانت سببا للشفاء).
وفيما تقدم دليل جديد يشهد بما بلغه العرب في الطب من المنزلة العالية والمكانة التي لا تدانى، كما يشهد لهم بفضل السبق إلى كثير من نظرياته الحديثة التي ينسبها علماء اليوم إلى أنفسهم زورا وبهتانا، والفضل كل الفضل للمتقدمين.