في عدد الرسالة الصادر في ٢٠ فبراير كلمة للأستاذ العقاد عن كتاب (مصطفى كامل) لعبد الرحمن بك الرافعي، لا يسع قارئها إلا أن يرى فيما جاء بها، حواراً طبيعياً بين مؤرخ (سعد زغلول) ومؤرخ (مصطفى كامل). وقد أوسع الأستاذ العقاد مجال المناقشة من الجانبين، إذ قال في آخر كلمته أن ليس للقارئ أن يطلب الحق كله من كتاب واحد لا سيما في تاريخ تختلف فيه الميول والآراء. وهذه دعوة ضمنية إلى طرح الموضوع على بساط البحث كيما يستنير أبناء الجيل الحاضر ممن تأثروا بحركة سعد زغلول دون حركة مصطفى كامل.
والمهم في هذه الكلمة أن الأستاذ العقاد يأخذ على عبد الرحمن بك أنه ظل غير متحيز في سلسلة كتبه عن الحركة القومية منذ الحملة الفرنسية إلى أن وصل إلى مصطفى كامل فتحيز له ضد خصومه.
ولأجل أن نبحث هذه الملاحظة لا بد لنا من الرجوع إلى السياق التاريخي لمنطق الوطنية المصرية منذ الحملة الفرنسية، لنتبين ما إذا كان هناك عدم تناسق في حلقاتها؛ وعندئذ نرى الحكمة الحقيقية فيما قاله عبد الرحمن بك في مقدمته: من أنه كان في أول الأمر يريد ترجمة سيرة مصطفى كامل، فأدى به البحث إلى أن يمهد لها بتحقيق تاريخ الحركة القومية منذ الحملة الفرنسية التي تعد بداية محاولة دول أوربا الاستيلاء على مصر بأساليب واحدة؛ إذ أن حركة مصطفى كامل لا يمكن اعتبارها من جانب المؤرخ الحقيقي إلا حلقة من حلقات سلسلة جهود المصريين للوقوف في وجه الفاتح الأوربي؛ كما أن تشابه الموقف في هذه الحلقات كان من شأنه أن أملي على المجاهدين في سبيل الاستقلال الحقيقي خطة واحدة. وما الشعور الوطني إلا غريزة الدفاع عن النفس، وهى غريزة طبيعية فطرية إذا كانت سليمة صادقة فرضت على النفوس منطقاً سليماً على اختلاف درجة تعمق الآخذين بها في مبلغ فهمهم إياها عن طريق العقل.
فالسلسلة التاريخية التي بدأت منذ قرن ونصف قرن تقريباً إنما هي عدة فصول في رواية