إلام يسير العالم؟ هل يوفق إلى التغلب على أزماته واضطراباته الحاضرة أم يسير حتماً إلى حرب جديدة تغمره بالويل؟ هذا سؤال يتردد اليوم على ألسنة جميع الأمم والأفراد؛ ولكن أشد المتفائلين لا يسعه إلا أن يسلم بأن العالم يجوز حالة من القلق والفوضى لا تبعث إلى الطمأنينة والرضى، بل نستطيع أن نقول إن العالم يسير اليوم إلى مستقبل محفوف بالنذر والمخاطر؛ فأينما سرحنا البصر ألقينا الأمم تجيش بالخصومات والمشاكل الداخلية والخارجية وتعاني متاعب العطلة والفاقة والأزمات الطاحنة، وتسودها حالة ظاهرة من القلق والتشاؤم؛ وفي أمم عدة تقوم نظم عنيفة طاغية تضطرم بروح الثورة على كل النظم والمبادئ القائمة، وعلى كل العهود الدولية، وتسحق في الداخل كل الحقوق والحريات العامة وتسلب الفرد كل المزايا والخواص الإنسانية، وتعد الشعوب لمعارك دموية تخوضها في سبيل أحلام ومطامع غامضة من السلطان والسيادة. وفي أكثر من ميدان تضطرم اليوم حروب عنيفة قاسية، تجني شر الجنايات على شعوب آمنة مسالمة، وتحصد أرواح البشر بأروع الأساليب والصور، ولا يجد المضرمون لنارها وازعاً يردهم عن جرائمهم لأنهم لا يؤمنون إلا بالقوة الهمجية وخصومهم ليسوا مثلهم على استعداد للالتجاء إليها
هذه هي صورة العالم اليوم، وهي صورة تحمل على التشاؤم أكثر مما تحمل على التفاؤل، فلم يبلغ العالم منذ الحرب الكبرى ما يبلغه اليوم من الاضطرام والاضطراب والفوضى؛ وكل ما هنالك يدل على أنه يجتاز مقدمات العاصفة كما كان يجوزها في سنتي ١٩١٣ - ١٩١٤، ولأسباب تشبه في معظمها تلك التي أدت إلى الانفجار في سنة ١٩١٤؛ ذلك أن الحرب الكبرى قامت لعاملين أساسيين هما الخصومات العنصرية والمطامع والمنافسات الاستعمارية، وتلك الخصومات والمطامع والمنافسات هي التي تثير اليوم معظم الأزمات الدولية، وإليها يرجع بالأخص ما يعانيه العالم اليوم من أسباب القلق والاضطراب والفوضى؛ فالحرب في الشرق الأقصى بين الصين واليابان، والحرب الأهلية الأسبانية وما يترتب عليهما من أزمات خطيرة تهدد سلام العالم؛ والمنافسة الشائكة بين إيطاليا وإنكلترا