لم يجمع أبو فراس أشعاره بنفسه، وإنما كان يدفعها إلى أحد أساتذته المعجبين به، أبي عبد الله الحسين بن خالويه، وهو من أشهر علماء البلاط الحمداني، ولعله بهذا، كان يريد أن يلقيه بين يدي أستاذ يذيعه في الناس، ويشرح لهم ما غمض عليهم منه، ويبين ما فيه من إشارات تاريخية يدركها، بحكم اتصاله بأفراد الأسرة؛ ولهذا أستبعد صحة الرواية التي تدعي على أبي فراس أنه حظر على أستاذه نشر شعره، فلو أنه كان يقصد حقاً حظر هذا النشر لكفى نفسه مئونة إلقائه إلى أستاذه، بل مئونة إنشائه وكيف ومن هذا الشعر ما أرسل به إلى أقربائه وأصدقائه، ومنه ما قصد به إلى تسجيل مفاخره ومفاخر أسرته، ولا معنى لهذا التسجيل إذا لم يشع بين الناس، ويجر على الألسنة، ويحفظ في الصدور، وتحل به الكتب، وكان أبو فراس يعد الشعر ديوان العرب، وعنوان الأدب، لا شيئاً يحط من قدره، ويرغب في إخفاءه، بل لقد كانت قدرته البيانية من أسباب فخره، وإذا كان قد نفى عن نفسه أنه شاعر حين قال:
طفت بمدحي، وامتدحت عشيرتي ... وما أنا مداح، ولا أنا شاعر
فإنما كان يرمي إلى أنه ليس من هؤلاء الشعراء الذين ينسبون إلى ممدوحيهم ما ليس فيهم رغبة في الصلات والعطايا.
وإن في مقدمة ابن خالويه ما يدل على أنه كان يلقيه إليه، ثقة منه بحفظه إياه، إذ يقول: وما زال، رحمه الله، إيجابا لحق الأدب، ورعاية للصحبة، وعلماً بأهل المحافظة، يلقي إلى دون الناس شعره. . . فجمعت منه ما ألقاه إلي، وشرحته بما أرجو أن يقرنه الله، عز وجل بالصواب، والرشاد، بمنه وطوله، وقوته وحوله؛ ولا ينبغي أن يفهم من كلمة ابن خالويه أنه شرح الديوان ببيان معاني أبياته، وإنما ذكر أحيانا الظروف التي قيلت فيها القصائد فحسب، كما شرح الحوادث التاريخية، لقصيدة الفخر الرائية، من غير تعرض لشرح لغوي، أو تفسير غامض.
لست أدري الترتيب الذي اختاره ابن خالويه لديوان أبي فراس وربما كان يضم المحدث