للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[ذكرى وفاة الشيخ مصطفى عبد الرازق]

للأستاذ محمود الشرقاوي

في ١٥ فبراير الحالي تتم سنوات خمس على وفاة المغفور له الشيخ مصطفى عبد الرازق. وقد أحببت، في هذه المناسبة، أن أبعث (للرسالة) بهذه الكلمة، لا عن مصطفى عبد الرازق الأستاذ في الجامعة، أو الوزير، أو السياسي، أو شيخ الأزهر. وإنما عن مصطفى عبد الرازق. فمصطفى عبد الرازق، بصفاته، وخصائصه، ومميزاته، هو الذي أريد أن أكتب فيه هذه الكلمة.

كانت أبرز صفات مصطفى عبد الرازق: رقة العاطفة، والتواضع، وحب الخير، والاعتداد بالنفس.

تحدث بعض تلاميذه - وقد تولى منصبا جليلا في القضاء - فقال: كان الشيخ مصطفى يدرس لنا في الأزهر مادة (الإنشاء) فوجد واحدا من طلبته زري الهندام، ولاحظ بعض إخوانه يكاد يعيره بذلك، وظن طلبة الشيخ أنه غير منتبه لما يجري بين هذا الطالب وإخوانه. ولكنه في أثناء الدرس، تطرق إلى موضوع القيمة الذاتية للفرد، وأنها لا تخضع لمقياس الثروة والجاه، وأن المال والثياب لا تجعل الرجل عظيما، وإنما قيمة الرجل وعظمته في فضائله وعلمه وآدابه.

وكان ليقظة الشيخ، ولطف توجيهه لأبنائه، وعدم إشارته أي إشارة للطالب الفقير، أكبر الأثر في تقويم تلاميذه وإدراكهم لما يقصد، واستقامة نفوسهم بعد ذلك، وصدق مودتهم بعضهم لبعض.

وقص تلميذ الشيخ فقال: وشكا واحد من طلبة الشيخ مصطفى إلى صديق له قلة ماله، وأنه يخشى أن تقطعه الحاجة عن طلب العلم، واستشاره، فقال له صاحبه، بعد تفكير، ليس لك إلا أستاذنا الشيخ مصطفى عبد الرازق. فقصد الطالب المحتاج بعد تردد، بيت شيخه، وكان لا يزوره، فلما أقبل على الشيخ وفي مجلسه جمع كبير من العظماء وأهل المكانة، قام الشيخ لاستقباله مرحبا، وقدمه لضيوفه مادحا له، ذاكرا نبوغه في الطلب وحسن استعداده وذكاءه، ثم أدرك الشيخ بعد قليل، من حياء تلميذه وتهيبه، أنه يعالج في نفسه شيئا، فأستأذن ضيوفه واختلى بتلميذه، فلما سمع منه قصته قال له: أمهلني أسبوعا ولا تجزع، وعد إلي

<<  <  ج:
ص:  >  >>