كانت الثورة البلشفية نتيجة محزنة للمعركة التحريرية الرائعة التي اضطرمت مدى ستين عاماً بين القياصرة وبين الحركة الثورية الروسية. ولم يثل عرش القياصرة ويسحق طغيان القيصرية وتمحى نظم الإقطاع وامتيازات النبلاء إلا ليقوم مكانها طغيان جديد أشد إمعاناً في الإرهاب والسفك وثل الحقوق والحريات العامة. ومن ذا الذي يستطيع أن يقول إن الشعب الروسي يتمتع اليوم في ظل النظم البلشفية بلمحة من الحرية التي كان ينشدها في أيام القياصرة والتي اعتقد أنه ظفر بها كاملة في ثورة مارس سنة ١٩١٧ الاشتراكية ثم في ثورة أكتوبر البلشفية. كانت روسيا منذ منتصف القرن التاسع عشر مشرح نضال عنيف بين طغيان القيصرية وبين العقلية الروسية الجديدة الطموح إلى الإصلاح والتحرير؛ وكانت روسيا الجديدة تنشد الإصلاح السلمي بادئ بدء وتحاول عن طريق الإصلاحات الدستورية والاجتماعية تحطيم الأصفاد المرهقة التي تطوق القيصرية بها عنق الشعب الروسي؛ وكان رسل روسيا الجديدة يومئذ جمهرة من الشباب المستنير الذي حفزته مؤثرات الثقافة الحرة إلى التطلع إلى آفاق جديدة، كان هؤلاء هم طلائع (النهلزم) أو الحركة النهلستية كما سماها ترجنيف، وكانت هذه الدعوة الإصلاحية المتوثبة دعوة مثل ومبادئ يذكيها طائفة من الكتاب الأحرار بأقلامهم الملتهبة؛ وكان أخص ما يميز الدعوة الحديثة على قول ستبنياك مؤرخ الثورة الروسية (هو إنكار كل ما يفرض على الفرد إنكاراً مطلقاً تعززه الحرية الفردية. وقد كانت النهلستية ثورة قوية مضطرمة لا على الطغيان السياسي ولكن على الطغيان المعنوي الذي يرهق حياة الفرد الخاصة). على أن هذه الحركة الإصلاحية السلمية لم تلبث إزاء عنت القيصرية وإغضائها عن الاستماع لدعوتها، أن تطورت بسرعة إلى حركة ثورية تعتزم أن تحقق مثلها بالنضال والعنف. واحتشد الشباب المتوثب من جميع الطبقات تحت لواء الحركة الجديدة. بيد أنهم على قول