ناثان تاجر يهودي وهبه الله مالا غزيرا لما كثر أبناء جنسه، ووهبه عقلا كان خير دليل له في الخروج من مآزق الأمور، وفطنة كانت سلاحا فتاكا يستعمله في التغلب على خصومه.
وكان هذا اليهودي الذكي يعيش في أرض فلسطين في عهد السلطان صلاح الدين عيشة ناعمة يحسد عليها. وكان يرابي فيقرض الأمراء والسلاطين. وكان السلطان الأيوبي العظيم قد اقترض منه مبلغا عظيما من المال، لقاء فائض فاحش. وأراد السلطان كما تصوره الرواية الامتناع عن الدفع ومصادرة أموال اليهودي بطريقة لا يتمكن فيها هذا المرابي من الدفاع عن نفسه ومن إقامة الدعوى عليه.
فطلب منه ذات يوم أن يجيب عن موضوع طالما اهتم به وشغل باله به هو قضية الأديان، وأي تلك الأديان أفضل! وما هو الدين الحق من بين هذه الأديان. وكانت غاية السلطان من هذا السؤال هو إيقاع اليهودي في الفخ حتى إذا ما أجاب جواباً يناقض عقيدته وفضل ديانته على ديانة المسلمين أوقع به عقابا صارما وجزاه جزاء كبيرا فيصادر أمواله، ويصبح عندئذ في حل من الدفع.
أدرك ناثان ما كان يقصد السلطان من هذا السؤال، فالتفت إليه وطلب منه أن يقص عليه قصة من القصص المعروفة هي قصة والد شفيق كان له ثلاثة أولاد يحبهم حبا جما ولا يميز بينهم أبدا؛ وكان له خاتم ثمين ورثه عن أجداده ويريد المحافظة عليه بحيث يبقى في الأسرة، فلا يخرج منها. ولما كان لا يريد التفريق بين أبنائه ولا التمييز فيما بين هؤلاء الثلاثة في الدرجة حار فيما يصنع، أيعطى الخاتم للابن البكر فيزعج بذلك الأخوين ويعكر بينهما صفو الأخوة وهو حريص جدا على أن تبقى رابطتها قوية فيما بين أبنائه، أو يعطيه لشخص آخر من الأسرة، وفي هذا العمل مخالفة لوصية الآباء؟
وكان الرجل ذكيا، تمكن بذكائه من إيجاد حل أرضى به أولاده الثلاثة. ذهب إلى صائغ قدير كلفه بأن يصنع له خاتمين يشبهان هذا الخاتم تماما بحيث لا يمكن التفريق بينهما وبين الخاتم الأصلي. وقد صنع الصائغ ما طلب منه وأجاد الصنعة حتى صعب على الصائغ نفسه تمييز الخواتم الثلاثة.