للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولما توفى ذلك الوالد الشفيق تسلم كل واحد من أولاده الثلاثة خاتما. وبعد مضي أمد أدعى كل واحد منهم بأن خاتمه هو الخاتم الحقيقي، خاتم الأسرة. وقد حاول كل واحد منهم البرهنة على أن ما قاله هو الصحيح.

فلما سمع صلاح الدين بهذه القصة استحسنها، وامتدح ذكاء (ناثان) وقربه إليه، وغدا منذ ذلك الحين من أقرب الناس اليه، وهي قصة تمثل وجهة نظرة الإنسانيين الذين نظروا إلى الأديان بنظرة التسامح نوعا ما. أما القصة نفسها، فقد كانت معروفة في أوروبا، وقد أخذها هذا الأديب (لسنك)، وسبكها في قالب (دراما) شعرية، تمثل آراء الشاعر ومشاعره أحسن تمثيل. حتى لقد قال الفيلسوف الألماني (شليكل) (إن هذه الدراما تمثل نفسية لسنك فمن عرفها عرف لسنك كل المعرفة.

في سنة ١٧٥٢ للميلاد كان شاعرنا صاحب القصة في مدينة (ويتنبرك) وكان قد تفرغ لكتابة رسائله وفصول بعد أن حنكته التجارب، وبعد أن تخرج من مدرسة (فولتير) تلك التي أنشأها هذا الأديب الفرنسي العظيم في قلب العاصمة البروسية وفي قصرها. تعلم على هذا الأديب شيئا كثيرا ودرس عليه أصول النقد الأدبي التي عرف بها تلك الأصول التي أثارت في نفس صاحبنا الميل لدراسة الآداب الغربية ولا سيما آداب الشعب الإيطالي سليل الرومان، وآداب الشعوب الشرقية، ولا سيما الأدب العربي وتاريخ المسلمين.

وكان مما قرأه (لسنك) من آداب الإيطاليين بعض مؤلفات الفيلسوف الإيطالي (كاردانوس هيرونيموس) (١٥٠١ - ١٥٧٦) وكان هذا الفيلسوف الإيطالي الكاثوليكي حر النزعة بالنسبة إلى رجال وقته، واسع التفكير، يعتنق مذهبا يعارض مذهبه، هو مذهب (وحدة الوجود) يرى أن كل ما في الطبيعة حي يجري فيه ماء الحياة حتى المادة الجامدة لا تخلو من الحياة. وأن الخالق في الكون جميعه والكون جميعه في الخالق بحيث لا نستطيع الفصل بين الاثنين. هذه هي الحقيقة، حقيقة الله في الكون، إلا أن قليلا من الناس من يدرك هذه الحقيقة، وقليل من الناس من يحاول الإدراك وفهم الحقائق.

كانت في آرائه هذه جرأة بالطبع بالنسبة إلى العالم الذي عاش فيه، جرأة له مئات من المشاكل والمصاعب فيما بعد. وكان يرى بالإضافة إلى كل هذا بأن الأديان واحدة لها أهداف واحدة هي النظم الأخلاقية وضبط حياة الإنسان، فيجب أن تستخدم هذه النظم في

<<  <  ج:
ص:  >  >>