في الروضة الشريفة المطهرة، وإلى جانب المنبر النبوي الكريم، أخذ القوم مجلسهم كما تعودوا أن يجلسوا كل يوم؛ يجلس علي وعثمان وطلحة والزبير، وسعد وابن عوف وإخوانهم من المهاجرين في سبيل الله، يتباحثون فيما يتصل بشؤونهم، ويتحدثون بما يهم المسلمين وينفعهم؛ وكان لابد أن يوافيهم عمر في مجلسهم، وينقل إليهم ما انتهى إليه من أخبار الأمصار وسير الولاة في الناس، ويستشيرهم فيما حمل إليه من الآفاق، فيشيرون عليه، ولكن عمر لم يحضر اليوم كعادته، ولقد انتظره القوم أكثر مما يجب فما وافى إليهم، قال قائل منهم: ترى ما الذي تأخر بابن الخطاب عن مجلسنا، وأنا أعلم عنه صحة البدن وتمام العافية، وما أعرف أن عنده من رجال العرب أو أن هناك ما يشغله عنا، ويحمله على الخلف والتخلف؛ فلعله قد نسي مجلسنا اليوم، وما أحسبه قد نسيه من قبل!
قال عثمان: رفقاً يا قوم بابن الخطاب، فقد ألقيتم عليه أعباءكم كلها فنهض بها صبوراً أميناً لا يألو جهداً في تدبير أموركم، ولا يدخر وسعاً في سبيل راحتكم وراحة المسلمين كلهم. ولقد وسوس الناس منذ أيام فيما بينهم بأن عمر يريد أن يعرس لنفسه، وهو جاد في اختيار الزوجة الصالحة ليفرغ لأمور الحكم بكل جوارحه، وأحسب أن الله قد وفقه لما يحبه هو لنفسه، وما يحبه له المخلصون من صلاح الحال، وسعادة البيت، فقد انتهى إلى سمعي أنه اختار لنفسه أم كلثوم بنت أبي بكر، ومن كبنت الصديق حسباً ونسباً، وصلاحاً وجمالاً؟ فإن كان عمر قد تأخر عنا اليوم، فلعله قد تأخر لهذا الأمر ليتمه على نفسه، وليفرغ منه إلى غيره، فما بالكم تلومون الرجل على فترة انتهزها لنفسه، واغتنمها لتدبير بيته؟ على أنه قد وقف عليكم كل وقته، ومنحكم جميع تدبيره. . .
قال طلحة: ولكني أعرف يا ابن عفان أن عمر قد رُد في خطبة بنت أبي بكر، وقد كان من خبر ذلك أنه لما كشف عن رغبته لعائشة أجابته إلى طلبه ووعدته بتحقيق رغبته، وقالت له: إن الأمر كله لك ونحن طوع أمرك، فأنت أمير المؤمنين وصاحب الرسول، وخليفة أبي بكر، ولكنها إذ ذكرت الخبر لأم كلثوم رغبت عنه، وقالت: إن عمر رجلٌ خشن العيش ولا طاقة لي باحتماله، فتحيرت عائشة وأرسلت إلى المغيرة بن شعبة لعله يحتال في رد