للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

من الفصول التي يجب أن تقرأ مراراً

العاطفة في الأدب

لغوستاف لانسون الأستاذ بكلية الآداب في باريس

ترجمة الأستاذ محمد روحي فيصل

- ١ -

تعوق العقل عن التأمل والتفكير أمور شتى وعلل مختلفة، أهمها في نظرنا هذا الاعتقاد السائد أن نشاط الذهن يخمد العاطفة المشبوبة، ويقتل النزوة الحية، ويحبس القلب الخفاق، فلا أماني ترف، ولا أحلام تطيف، ولا ذكرى تلوح، ولا هوىً يبوح، وإنما العقل كله قد نأى عن ركدة الخمود، واستيقظ من نوم الجمود، رأى في أثر رأى، وخاطر يتلوه خاطر، ومقدمة تسوق إلى نتيجة، وتحليل يسلم إلى استنباط! إنه ليحسن بالأديب المبين أن يخنق صوت الفكر ويطمس معالمه، ثم لا ينطق سوى قلبه، ولا يترجم عن غير لبه. إذن لخلت لغته من ألوان الزينة المصطنعة، وصفا أسلوبه من أصباغ البهرجة الزائفة، ثم تراءت النفس على سجيتها الموهوبة من خلال السطور، وبرزت نقية رائعة من بين سواد المداد. .!!

هذه دعوى - على جمالها وروعتها - عاثرة خاسرة، ووجه الخطل فيها أن القلب لا يستغني عن العقل ولا يستطيع أن ينكره في حال من الأحوال. فإن قوى النفس متحدة مشتبكة، يتصل بعضها ببعض، وتتداخل إحداها في جارتها الأخرى، ويندس الضعيف منها في القوي، والكامن في البارز، والوديع في المتمرد. وإنما القلب الكبير تراه عند من له عقل كبير، والطلعة البصير يفطن إلى ألطف ما يضطرب في الفؤاد من الميول والنزعات، ويشعر بأدق العواطف وأهدأ الأحاسيس، وعلى قدر ما يكون العقل من الثراء والخصب، أو الفقر والجدب، يكون القلب عظيماً رفيعاً، أو وضيعاً خسيساً!! هؤلاء القديسون الصالحون ورجال البر والإحسان، هم أصحاب عقول نيرة تناهض عقول العباقرة والمفكرين، وقد يكون فيهم سذج غافلون فما يعني هذا أنهم حيوانات هائمة سائمة، وإن كانت محبة الله وبر عباده استجابة روحانية لنوازع القلب ومطالب الشعور، فإن تأسيس

<<  <  ج:
ص:  >  >>