للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

المدارس والأندية وبناء المستشفيات والملاجئ صورة من صور النطق المنظم، ومظهر من مظاهر الرأي والتدبير.

- ٢ -

يستبد الهوى المبرح، ويجور الألم البالغ، ويطغى الهيجان الثائر، فتختبط النفس وتهتاج الأعصاب ويغلي الدم، ثم تنطلق من شفاه العاني همسة محزونة، أو صرخة يائسة، أو قولة قوية جليلة، تجري خالدة على وجه الدهر، وتذهب في الناس مثلاً سائراً وحكمة مضروبة! أما النقد الحديث فما يحفل بهذا النوع من الكلام البليغ الجامع، ولا يمنحه التعظيم والإجلال مثلما تمنحه الأمم والأجيال، وإنما يراه من عمل الراوي المؤرخ الذي سرده لزملائه المعاصرين ولمن يليهم إلى يومنا هذا، ويستنكر نسبته إلى القائل الحساس، والمؤرخ - بخلاف الصحافي - يملي على الحادث رأيه ومذهبه، ويسرد الرواية على نحوه وأسلوبه، ويسكب الكلم في قالبه ومثاله.

ويغضب الرجل فيحول باطنه، ويختل ظاهره، ويضطرب إحساسه، ثم تستبين طبيعته الصامتة كما خلقها الله، وكونتها الوراثة، ووجهتها البيئة!! يقذف الكلمة من فيه فإذا هي كالسيف مضاءً ونقاوة، وإذا هي جماع فطرته النائمة، وعادته الراسخة، وغريزته الكامنة. .!!

لغة القلب آهة أو أنة، أو نداء أو عويل، ولكنه يكف عن التوجع والحنين حين تجتاحه موجة من الحب القوي أو الألم المميت، وقد قيل أن الهوى يعمي ويصم! فمن يفرق بين القلب والعقل ثم يروز الأول ويهمل الثاني، لزمه الإيجاز في البيان، والاقتضاب في الكلام، ذلك بأن المبين إذ يسمي شكواه ويدل على بلواه، إنما يعلن كل ما يكنه فؤاده من الخلجات، ويذكر كل ما يحز نفسه من اللواعج، ثم لا يرى شيئاً يتخذه مادة للكتابة ومفتاحاً للتحدث والإفاضة! تمثل محباً ملأ الحب جوانحه، وتغلغل في حناياه وأحشائه، واختلط بلحمه ودمه، شاء أن يصور هيامه المستفيض في إسهاب وتفصيل، فلتجدنه أحرص الناس على الإيجاز في التصوير، وأقلهم تبسطاً في الحديث، فما يكاد يسجل هذه الجملة المألوفة المبتذلة: (إني أحبك) حتى يعيد لفظها ويكرر معناها. سطران لا غير يخطهما المحب، ثم يرمي القلم في انكماش ووجوم!!

<<  <  ج:
ص:  >  >>