للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[القصص]

في ظلمة الليل

أسطورة فرعونية

(تحية للأستاذ يحيى حقي)

للأستاذ محمود بك تيمور

في أصيل يوم من الأيام، كان (الشيخ حابي) في بستانه الصغير، أمام داره المتواضعة، يتعهد تخيلاته ويستريض. فاسترعى انتباهه خفق أقدام، فالتفت نحو مصدر الصوت، فإذا بفتى يسير صوبه، وهو يدفع - في جهد - قدميه المتعبتين، وقد علاه الغبار، فاختفت ملامحه؛ بيد أن الناظر إليه يستطيع أن يلمح في عينيه على الفور حيرة الغريب. وكان يحمل في يده صرة؛ فخف الشيخ للقائه، وما إن اقترب منه، حتى سمع الفتى يقول في صوت الهامس:

- الشيخ حابي؟

- هأنذا. . . ما مطلبك؟

ووجد (حابي) الفتى يتخاذل أمامه، فأسرع إليه، وأسنده إلى صدره، محيطاً إياه بذراعيه، وقال له:

- أمريض أنت؟

- بل جائع!

وسار به (حابي) إلى داره في رفق، وأجلسه بجوار الباب على مصطبة عارية، وتركه برهة. . . ثم عاد إليه بإبريق مملوء باللبن، فأخذ يعب منه الغريب، حتى شبع. . . وبعد أن تنفس طويلاً، تمتم بكلمات الشكر لمضيفه، ثم أطرق وقتاً. . . وأخيراً، رفع رأسه، وسرح بصره في الشيخ، والكلمات تتراءى حيرى على شفتيه. . . وابتسم الشيخ ابتسامة تنطوي على عطف وطيبة، وقال:

تكلم يا بني، ولا تخش بأساً. . . ما حاجتك؟ أن حابي لا يرد حاجة الغريب!

فأمسك الفتى بيد الشيخ، وضغطها في انفعال، وقال:

<<  <  ج:
ص:  >  >>