(أما آن للتاريخ أن ينصف هذا المصري الفلاح وأن يحدد له
مكانه بين قواد حركتنا القومية؟)
للأستاذ محمود الخفيف
ولندع الآن عرابياً في رأس الوادي ولننظر ماذا كان من أمر شريف ووزارة شريف. وهنا أبادر إلى القول إن هذه المرحلة من تاريخ مصر كانت أهم المراحل الماضية جميعاً منذ الحملة الفرنسية وأدقها وأبعدها أثراً فيما هي مقبلة عليه بعدها من مراحل.
ظن الناس أن قد انجلت الغاشية على نحو ما صور المستر بلنت ولكنهم لم يكونوا يعلمون أو لم يكن يعلم إلا الأقلون منهم أن وراء هذا الصفو كدراً، وأن سماء السياسة كانت يومئذ كسماء الطبيعة صفت هنيهة لتتلبد بعدها بالسحب المركومة، ولتتلاقى في جوانبها غرابيب سود من الغربان الناعبة فتكون حلكتها وطيوفها بعد هذا الصفة أقبح ما تكون منظراً وأشد ما تكون إيلاماً للنفوس وإزعاجاً للخواطر.
وكيف كان يرجى دوام الصفاء وقد كانت الشباك منصوبة وقد أخذ الصائدون يدفعون الفريسة إليها دفعاً بعد أن أعياهم الأمر فلم يستطيعوا أن يأخذوها بالحيلة أو أن يعصبوا عينيها كما كانوا من قبل يفعلون؟
كيف كان يرجى الصفاء وقد كان الخديو يضمر عكس ما يظهر كأن لم يكفه ما أصاب البلاد من جراء سياسته وتنكره للحركة الوطنية وإيجاده بما فعل الثغرة التي كان ينفذ منها الدخلاء والمتربصون بمصر إلى صميم حركتها وقلب نهضتها؟
وما أشبه توفيقاً في ذلك الموقف، بل وفي معظم مواقفه كما أسلفنا بلويس السادس عشر، ذلك الملك الطيب القلب الذي كان يدفع الثورة في بلاده بمسلكه دفعاً، والذي يعزى إلى سياسته الملتوية المذبذبة أن تنكبت تلك الثورة منهاجها السلمي العاقل واندفعت في طريق جرت فيها الدماء وتطايرت على جانبيها الأشلاء
ظهر ذلك الملك للنواب أول الأمر في جلد الأسد، ثم استخدى بعد وثبة ميرابو، ولكن