أما حركة التجديد الإسلامية بمصر فقد صدرت عن عوامل وأسباب أخرى غير التي ذكرناها عن حركة الهند، وإن كانت قد سلكت نفس الطريق، وجاءت بنتائج متشابهة. ونحن لا نستطيع أن نجزم بأن الحركة الهندية كان لها أثر في حركة الإصلاح المصرية. وإذا ما تصفحنا ما كتبوه من رسائل وكتب فإنا لا نجد بينهما أي ارتباط. ويظهر لنا واضحاً ما بينهما من فرق إذا عرفنا أن الروح التي سادت الحركة الهندية كانت (روحاً ثقافية) جاءت من التفكير والنظر الذي كان نتيجة اتصال الإسلام بالحضارة الأوربية، وجهودهم الإصلاحية كانت تحت تأثير أوربي، أما الناحية الدينية عندهم فكانت أمراً ثانوياً.
والحركة المصرية كانت، على الضد من هذا، حركة دينية نتيجة تفكير ونظر ديني، وسلكت طريق الإصلاح مستقلة عن أي نفوذ أجنبي، فهي عندما ترفض أعمالاً أو بدعاً لا تردها على أساس أنها (معادية للتمدن والحضارة) بل لأنها (معادية للسلام) مخالفة للقرآن والسنة الصحيحة، كما أن البدع القائمة على الحديث كانت ترد على أساس من علوم النقد الإسلامي في الجرح والتعديل. وهي تهتم من ناحية أخرى بخلقية الإنسان كمسلم وكشرقي، وتكره التقليد الأعمى للأوربيين، وتحذر من أضراره، حريصة جد الحرص على (الخلقية العربية الإسلامية)
وهنا في مصر حيث يقوم منذ قرون الجامع الأزهر، هذا المركز العالمي العظيم للعلوم الإسلامية، والذي كان يسير على طريقة قديمة جامدة، ترتبط حركة الإصلاح باسم الإمام محمد عبدة تلميذ جمال الدين الأفغاني الممتلئ به إعجاباً
وقد كان محمد عبدة من طلاب الأزهر ومن علماء الدين، ثم صادفته أزمات داخلية طويلة حتى عرف جمال الدين أثناء مقامه بمصر فرسم له الطريق الذي سار عليه فيما بعد، وسلكه وسط زعازع ومنازعات داخلية وخارجية انتهت به - مع الارتباط بالحركة العرابية - إلى النفي من مصر. وبعد ذلك وصل إلى مركز الإفتاء ونال اعترافاً عاماً