عرضت في مقالي السابق لضعف النقد الأدبي في مصر، وخاصة في السنوات الأخيرة، وذكرت أن رقي النقد لم يساير رقي الأدب، فقد كان الإنتاج الأدبي قليلاً، وكان النقد يؤدي مهمته في هذا القليل ويعرف جمهور القراء به، ويبين مزاياه وعيوبه، وتختلف أنظار النقاد فيه، ويعرضون له من وجوهه المختلفة، وفي كل ذلك فائدة للأدب وتبصرة للقراء؛ ثم كثر الإنتاج وارتقى، وقل النقد وضعف، واكتفى جمهور النقاد بنقد الكتاب من فهرسه ومقدمته. واليوم أزيد هذا الرأي شرحاً وبيانا، وحجة وبرهاناً.
في كل عام يخرج هيكل وطه والعقاد والزيات والمازني وزكي مبارك وغيرهم كتباً عدة، ويخرج الشعراء قصائد كثيرة، ويخرج مؤلفو الروايات روايات تعد بالعشرات، ولكن قلب الصحف والمجلات لترى نقدها نقداً صحيحاً فقل أن تعثر عليه. هذا أقرب كتاب إلينا وهو كتاب (محمد) لتوفيق الحكيم. هو من غير شك عمل جديد في بابه من حيث وضعه للسيرة النبوية في قصة؛ ولكن أين النقد الذي قوبل به الكتاب؟ وأين ما كان من البحث حول قيمة ما فيه من فن، وهل هذا العمل في فائدة التأريخ والأدب أم لا؟ وهل من الخير أن نشجعه أم لا؟ ثم هل هو صور محمدا (ص) صورة صحيحة أم لا؟ نعم أنه اعتمد في كل ما نقله على عبارات السيرة، ولكنه أختار أجزاء وحذف أجزاء، وألف بين هذه الأجزاء، وهذا التأليف بين أجزاء معينة وترك غيرها يجعل الصورة ذات ألوان خاصة يسأل عنها المؤلف كما يسأل عن كتاب كتبه بنفسه وعبر عنه بعبارته.
لم نجد شيئاً كثيراً من ذلك؛ ومر الكتاب بسلام. وأظن أنه لو ظهر من نحو عشر سنين لكان له شأن أخر، ولنال من النقد ما يستحقه. وليس يعنينا أن المؤلف يغضب من النقد أو لا يغضب، فالنقد ليس من حق المؤلف وحده، وإنما هو حق الناس جميعاً وحق الأدب والتاريخ.
وهل أتاك نبأ ما كان منذ شهرين، إذ نشر شاب في الإسكندرية رسالة في (الحديث)، تعرض فيها للرواية والرواة، ونقد بعض المحدثين، وطعن بعض الأسانيد، فأجتمع مجلس