كتب إلينا أحد القراء يرجونا أن نترك السخرية من الأستاذ أحمد أمين ونكتفي في الرد بشرح ما خفي عليه من الحقائق الأدبية، ويستكثر أن نقول في السخرية من هذا الصديق:
(إن الأستاذ أحمد أمين لن يفهم الفروق بين دقائق المعاني إلا يوم يعرف أن الأدب لا يكال بمكيال).
ولكن ما الذي نصنع والأستاذ أحمد أمين هو نفسه الذي يثير غضبنا عليه؟
ألم يحكم بأن الشعر العربي في جميع عصوره تشابه بحيث لا يمكن تمييز شاعر من شاعر إلا بعد قراءة ترجمته؟ (ولو تأمل لعرف أن أشعار الشعراء أدل على أصحابها من الترجمات). وهل يقع هذا الحكم من رجل إلا وهو يعتقد أن الأدب يكال بمكيال؟
إنكم نسيتم أن أحمد أمين أستاذ بكلية الآداب، وهي في الصدر بين معاهدنا العالية، وأساتذة كلية الآداب لا يجوز عليهم الظن بأن الشعر العربي تشابه في مختلف عصوره وأقطاره تشابهاً يقضى بألا نستطيع التمييز بين ديوان إلا بعد مراجعة تراجم الشعراء.
وعند من نرجو تمييز العصور بعضها من بعض إذا خفي ذلك على أساتذة كلية الآداب؟
وقد حدثتكم من قبل أن حكم الأستاذ أحمد أمين في هذه القضية محال في محال، فما يجوز أبداً أن يخفى على الناقد أن هناك فروقاً كثيرة جداً بين العصور الأدبية؛ ولو شئت لقلت إن الشاعرين قد يعيشان في عصر واحد، ومع ذلك يختلفان اشد الاختلاف في طرائق التعبير وفي عرض المعاني. وهل يتشابه شعر مسلم بن الوليد وشعر أبي نواس وهما متعاصران؟ هل يتشابه شعر أبي العتاهية وشعر العباس بن الأحنف وقد نشئا في عصر واحد؟ هل يتشابه شعر أبي تمام وشعر البحتري وهما من عصر واحد ومن قبيلة واحدة؟ وهل يتشابه شعر الرضى وشعر مهيار وهما متعاصران وكان بينهما من الصلات ما بين الأستاذ والتلميذ؟
ومنذ عشرين سنة كان في مصر ثلاثة من الشعراء قد ائتلفوا في المشارب والأذواق اشد الائتلاف حتى صح لبعض النقاد أن يسميهم (الثالوث) وهم إبراهيم المازني وعباس العقاد