للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[بين الرافعي والعقاد]

للأستاذ محمود محمد شاكر

- ٢ -

نقل الأستاذ الأدب سيد قطب في كلمته الثانية بعض ما نقده الرافعي في قصيدة للعقاد في ديوانه بعنوان (غزل فلسفي؛ فيك من كل شئ)، وذلك حين يقول في حبيبته:

فيك مني ومن الناس ومن ... كل موجود وموعودٍ تُؤام

فقال الأستاذ قطب: فلا يرى الرافعي في هذا البيت الفريد إلا أن يقول: (قلنا فإن (من كل موجود) البق والقمل والنمل والخنفساء والوباء والطاعون والهيضة وزيت الخروع والملح الإنكليزي إلى واوات من مثلها لا تعد، أفيكون هذا كله في حبيب إلا على مذهب العقاد في ذوقه ولغته وفلسفته؟)

ثم يعود فيقول: (إن هذا المثال هو (مصداق رأيي في أن الرافعي أديب الذهن لا أديب الطبع، وأنه تنقصه (العقيدة)! التي هي وليدة الطبع أولاً؛ فأي (طبع) سليم يتجه إلى تفسيره بيت غزلي في معرض إعجاب شاعر بحبيبته، واستغراق في شمول شخصيتها بأن (كل موجود) هو البق والقمل والنمل. . الخ) غافلاً عما في هذا الإحساس من (حياة)! (واستكناهٍ)! لجوهر الشخصية، و (خيال بارع) تثيره طبيعة فنية، فيرى في هذه المرأة من متنوع الصفات ومختلف النزعات وشتى المزايا عالماً كاملاً من كل موجود وموعود.

أحد أمرين:

إما أن الرافعي ضيق الإحساس مغلق الطبع بحيث لا يلتفت إلى مثل هذه اللفتات الغنية بالشعور.

وإما أنه يدرك هذا الجمال، ولكنه يتلاعب بالصور الذهنية وحدها، غافلاً عما أحسهُ وأدركه.

وهو في الحالة الأولى مسلوب (الطبع) وفي الثانية مسلوب (العقيدة!) فأيهما يختار له جماعة الأصدقاء)

ثم أتم الأستاذ علينا نعمة نقده بأن قال (أن هذا المثال (يمثل تلاعب الرافعي بالصور الذهنية، واستغلاق طبعه دون تملي الإحساس الفني).

<<  <  ج:
ص:  >  >>