للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[أحلام في قصر]

للأستاذ مصطفى صادق الرافعي

كان فلان بن الأمير فلان يتنبَّل في نفسه بأنه مشتقٌ ممن يضع القوانين لا ممن يخضع لها، فكان تياها صلفا يشمخ على قومه بأنه ابن أمير، ويختال في الناس بان له جداً من الأمراء، ويرى من تجبره أن ثيابه على أعطافه كحدود المملكة على المملكة لان له أصلاً في الملوك

وكان أبوه من الأمراء الذين ولدوا وفي دمهم شعاع السيف وبريق التاج، ونخوة الظفر، وعز القهر والغلبة؛ ولكن زمنه ضرب الحصار عليه، وأفضت الدولة إلى غيره فتراجعت فيه ملكات الحرب من فتح الأرض إلى شراء الأرض، ومن تشييد الإمارات إلى تشييد العمارات، ومن إدارة معركة الأبطال إلى إدارة معركة المال؛ وغبر دهره يملك ويجمع حتى أصبحت دفاتر حسابه كأنها (خريطة) مملكة صغيرة

وبعض أولاد الأمراء يعرفون أنهم أولاد أمراء فيكونون من التكبر والغرور كأنما رضوا من الله أن يرسلهم إلى هذه الدنيا ولكن بشروط. . . .

وانتقل الأمير البخيل إلى رحمة الله، وترك المال واخذ معه الأرقام وحدها يحاسب عنها، فورثه ابنه وأمرَّ يده في ذلك المال يبعثره؛ وكانت الأقدار قد كتبت عليه هذه الكلمة: غير قابل للإحسان، فمحتها بعد موت ابيه، وكتبت في مكانها هذه الكلمة: جمع للشيطان

أما الشيطان فكان له عمل خاص في خدمة هذا الشاب، كعمل خازن الثياب لسيده، غير انه لا يلبسه ثيابا بل أفكاراً وآراءً وأخيلةً. وكان يجهد أن يدخل الدنيا كلها إلى أعصابه ليخرج منها دنيا جديدة مصنوعة لهذه الأعصاب خاصة، وهي أعصاب مريضة ثائرة متلهبة لا يكفيها ما يكفي غيرها فلا تبرح تسأل الشيطان بين الحين والحين: إلا توجد لذة جديدة غير معروفة؟ ألا يستطيع إبليس القرن العشرين أن يخترع لذة مبتكرة؟ ألا تكون الحياة إلا على هذه الوتيرة من صبحها لصبحها؟

كان الشاب كالذي يريد من إبليس أن يخترع له كأساً تسعُ نهرا من الخمر، أو يجد له امرأة واحدة وفيها كل فنون النساء واختلافهن. وكان يريد من الشيطان أن يعينه في اللذة على الاستغراق الروحاني ويغمره بمثل التجليات القدسية التي تنتهي إليها النفس من حدة الطرب وحدة الشوق؛ وذلك فوق طاقة إبليس، ومن ثم كان معه في جهد عظيم حتى ضجر

<<  <  ج:
ص:  >  >>