في أبريل سنة ١٨٩٩ عُيّنَ الرافعي كاتباً بمحكمة طلخا الشرعية، بمرتب شهري أربعة جنيهات، وأعانه على الظفر بهذه الوظيفة ما كان لأبيه وأسرته من جاه في المحاكم الشرعية؛ وما كان الرافعي ليجهل جاه أبيه وأسرته في هذه المحاكم، وما كان منكوراً لديه أن لهم يداً على كل قاض في القضاء الشرعي؛ فنشأ بذلك نشأة الدلال في وظيفته، لا يراها إلا ضريبة على الحكومة تؤديها إليه عَمِل أو لم يعمل، لمكانة أسرته من النفوذ والرأي، ولمكانته هو أيضاً. . . ألم يكن يرشح نفسه ليكون أديب هذه الأمة؟ هكذا كان يرى نفسه من أول يوم، وظل كذلك يرى نفسه لآخر يوم. . .
وكانت إقامته بطنطا في هذه الحقبة؛ فمنها مغداه وإليها مراحه في كل يوم، يتأبط حقيبة فيها غداؤه وفيها كتابه، وما كان أحد ليستطيع أن يلفته إلى ضرورة التبكير إن جاء في الضحى، أو يسأله الانتظار إذا دنا ميعاد القطار ولم يفرغ من عمله.
لم يكن يرى الوظيفة إلا شيئاً يعينه على العيش، ليفرغ إلى نفسه ويُعِدّها لما تهيأت له، فما انقطع عن المطالعة والدرس يوماً واحداً، وما كان أكثر ما كان ينقطع عن وظيفته.
وقضى الرافعي في طلخا زمناً ما، ثم نقل إلى محكمة إيتاي البارود الشرعية، ثم إلى طنطا؛ وفي طنطا انتقل من المحكمة الشرعية إلى المحكمة الأهلية بعد سنين، لأنه رأى المجال في المحاكم الأهلية أوسع وأرحب، والعملَ فيها أيسر جهداً وأكثر مالاً وأملاً؛ وظل في محكمة طنطا الأهلية إلى يومه الأخير.
وحياة الرافعي في طلخا وإيتاي البارود وطنطا لا تخلو من طرائف، وتاريخه في الوظيفة حافل بالصور والمشاهد التي كان لها أثرها من بعد في حياته الأدبية؛ ففي طلخا عرف