قال ذلك خليفة مصر الظافر بأمر الله وهو يقدم إلى نصر بن عباس عشرين طبقا من الفضة مملوءاً كل واحد منها بعشرين ألف دينار. فأجابه نصر: شكرا يا مولاي، إنني لم أزد على أرحتكم من وجه كنتم تبغضونه، وإن سرور مولاي هو كل ما أسعى إليه وأبغيه. قال الخليفة: ذلك قليل يا نصر، لقد قضيت أكثر من أربع سنين وأنا احمل هذا الوزير شجي في حلقي، وقذى في عيني، ومن الغريب انه كان يسمي نفسه الملك العادل، وأي ظلم أكبر من سلب حقي واغتصاب سلطاني! هذا أول يوم أشعر فيه بمجد الملك وعظمة الخلافة، وستكون تلك الليلة تذكارا لهذا العهد الجديد السعيد.
وما إن أقبل الليل حتى كان قصر الخلافة جوهرة غارقة بالنور، وجاء الندماء يمنون النفس بليلة سارة وساعات شهية، ولم تلبث جنبات القصر أن تجاوبت بأصداء الغناء، ودارت الساقيات الجميلات ببنت الكروم تلعب بالرءوس وتفعل ما تشاء بالألباب، ولما انقضى من الليل أكثره تفرق الجمع، ولكن الخليفة لم يرد أن تنقضي تلك الليلة من غير إنعام جديد على قاتل وزيره ابن السلار، فوهب نصراً مدينة قليوب، وأوصاه أن يبكر في الحضور إليه، فإنه ما كان يصبر على البعد عنه.
خرج نصر فرحا بما أعطي، ولما قابل أباه عباسا (وقد صار وزيرا) أخبره بأمر هذه الهبة، فما زاد أسامة بن منقذ أحد جلساء الوزير على أن قال:(ما هي في مهرك بكثير يا نصر).
وهنا أربد وجه الفتى، وغلى الدم في عروقه وأقبل يدافع عن نفسه في حماسة وقوة، حتى قال له والده:(نحن لا نصدق يا بني ما يقال، ولكن الناس يلوكون عرضك وعرض الأمير، فبالله إلا غسلت هذا العرض. إن جمال الوجه كثيرا ما يجلب على صاحبه الأقاويل، ولقد خجلت لكثرة ما سمعت عنك وعن مولاك). فخرج نصر وقد صمم على أمر.
لم يبد على صلة الصديقين فتور، بل اطردت كما هي: يقضي نصر معظم وقته مع