في ليلة الرابع عشر من شهر رمضان المكرم منذ خمس سنوات مضت فاضت إلى بارئها روح المرحوم الأستاذ محمد مصطفى المراغي شيخ الأزهر الشريف وشيخ الإسلام حينئذ فكان لوفاته أثر بالغ في نفوس محبي الإصلاح في أنحاء الأقطار الإسلامية لما كانوا يؤملونه على يديه من إصلاح ديني يتوج به ذلك الصرح الشامخ الذي شاد أسسه جمال الدين الأفغاني وأعلى بناءه الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده.
ولد المرحوم (محمد مصطفى المراغي) في قرية المراغة من أعمال مديرية جرجا، وبفضل الشيخ الجليل ومساعي أبنائه الموفقة من بعده ارتقت هذه القرية فأصبحت مركزاً من مراكز مديرية جرجا تتبعه بعض البلاد الأخرى المجاورة؛ وأصبحت بها كذلك مدرسة ابتدائية تقوم على تهذيب النشء ونشر الثقافة بين أبناء البلاد.
نشأ الشيخ المراغي في بيئة علمية؛ فلقد كان أبوه ممن يلمون ببعض العلوم الدينية مما جعله موضع احترام أهل المراغة ومرجعهم في المسائل الدينية، فعمل هذا الأب على أن ينشئ أولاده نشأة علمية حتى يؤدي مالهم قبله من حقوق، وحتى يكونوا بالتعليم - مثله محترمين في أعين الناس.
وقد كان أكبر أبنائه السبعة الأستاذ محمد الذي نحن بصدد الكلام في ترجمته، وقد تربى خمسة منهم في الأزهر جنح أحدهم إلى دار العلوم، وكان الابن الكبير متوقد الذكاء مثابراً على درسه، وظل مثابراً عليها حتى نال شهادة العالمية بتفوق رشحه للتدريس في الأزهر؛ ثم عمل بعد ذلك قاضياً في مديرية دنقلة بالسودان فمفتشاً بديوان الأوقاف، ثم عين قاضياً لقضاة السودان بمسعى أستاذه المرحوم الشيخ (محمد عبده) ثم رئيساً للتفتيش بالمحاكم الشرعية فرئيساً لمحكمة مصر الكلية، ثم عضوا في المحكمة العليا الشرعية، فرئيساً لها سنة ١٩٢٣ ثم شيخاً للأزهر بعد ذلك من سنة ١٩٢٧ إلى سنة ١٩٣٠ ثم أنقطع عن المشيخة مدة عاد بعدها إليها سنة ١٩٣٤ وبقي حتى لحق بالرفيق الأعلى.
لقد كان الشيخ المراغي من تلاميذ الإمام بل أكبر تلاميذه الذين أشربوا روحه في الإصلاح