والتجديد، وقد أظهر في كل هذه الوظائف التي تولاها مقدرة بالغة، وكفاءة ممتازة وإدارة حازمة ومنقطعة النظير بين الشيوخ، شهد له بها رجال العصر من العلماء المواطنين والأجانب. وقد أجمل وصفه الأستاذ العلامة الفيلسوف (أحمد لطفي السيد باشا) فقال يوم تشييعه إلى مقره الأخير: (كان رحمه الله منسجماً في كل شيء، عقله يوازي علمه، حتى جسمه وهندامه).
وأظهر ما نذكر به الشيخ (المراغي) تلك الصفات التي تفرد بها بين الشيوخ الذين تقلدوا قبله مشيخة الأزهر؛ أو بالأحرى مشيخة الإسلام، وأول هذه الأوصاف التي حفظها له تاريخ الأزهر، أن مشيخة الأزهر كانت قبله من الوظائف الروحية التقليدية البعيدة عما يجري في الحياة من تيارات عصرية، فخرج بها الشيخ المراغي من عزلتها، وألقى بها في غمار الحياة فأشعر الناس في الشرق والغرب بأن المنصب له خطره، ونبه إليها الأذهان في العالم الإسلامي، وبذلك ضرب بنفسه المثل الصحيح لرجل الدين، في أنه لم يخلق فقط للعبادة والعيش على هامش الحياة، بل لابد من أن يختلط بالناس فيفيد ويستفيد، وأن يكون له رأي يعتد به في الحياة العامة، يشارك به المفكرين من أبناء عصره ويساهم به في بناء المجتمع الإنساني، ويساعد في رسم الخطوط التي تسير عليها البلاد؛ لذلك رأينا الأستاذ المراغي يعمل على إعادة تنظيم الأزهر على نحو واسع النطاق حتى يتفق وحاجات العصر الحاضر في مصر وفعلا قد صدرت خطة الإصلاح التي وضعها في القانون المعروف بالقانون رقم ٤٩ لسنة ١٩٣٠، وقد لاقى - رحمه الله - الشيء الكثير من معارضة الإصلاحات التي كان يبغيها فاستقال من المشيخة.
وقد كان الأستاذ المراغي من أسس إصلاحه أن تنظم مناهج الأزهر وتطعم بالعلوم الحديثة لتكون على مثال مناهج المدارس المدنية، وأن تصلح كتب الأزهر، وتشذب مما حشيت به من الخلافات اللفظية التي لا جدوى من دراستها حتى يخفف العبء على الطلبة، وحتى تساير هذه الكتب نظريات التربية الحديثة فيتسنى لقارئيها أن يشاركوا في بناء نهضة بلادهم، وأن يفهموا الحياة على حقيقها، وأنها ليست فحسب تلك المتون والحواشي والتقارير خطت على الصفحات الصفر؛ بل هي عالم واسع المدى بعيد الحدود.
ومن أوصاف الشيخ المراغي فوق جدارته بالزعامة الدينية أنه كان رجلا (دبلوماسيا) يلبس