لكل حال لبوسها، وينتهز الفرص السانحة التي يتمكن فيها من النهوض بالأزهر والكسب له، وبذلك تقدم الأزهر في عصره تقدما محسوساً. ولعل في إيفاده البعوث الأزهرية إلى جامعات أوربا أصدق دليل على عزمه الصادق في خدمة الأزهر ليجمع في ثقافته بين القديم والجديد، وليكون العالم في الدين عالما بعلوم الدنيا، والثقافات المعاصرة، فتكتمل له العدة في الحياة.
وفي المراغي صفتان أخريان لعل القدر الذي هيأه لقبول تعاليم أستاذه الشيخ محمد عبده هو الذي منحه إياهما ليكون الوارث الحق لصفات أستاذه؛ أما الأولى فجرأته البالغة الحد في الإصلاح، وجهره بآرائه متى أقتنع بوجاهتها، وعدم مبالاته بما يعترض سبيله من مقاومات ومعارضات من الجامدين المحافظين.
وأما الثانية فهي اعتزازه بنفسه، واعتداده بكرامته كرجل من رجال الدن اعتداداً هون عليه مرة منصبه الخطير فتخلى عنه ثمنا للكرامة.
بهذه الكفاية الممتازة أمكن للشيخ المراغي أن يخلق من أبناء الأزهر جيلا جديداً غير ما تقدم عصره من أجيال أزهرية، جيلاً أقل ما يقال فيه أنه بدأ يفهم تبعات الحياة التي يسأل عنها أمام الرأي العام رجل الدين، وبهذا الإخلاص للأزهر استطاع الشيخ المراغي أن يكون له مدرسة من أبناء الأزهر، يدين تلاميذها بكثير من تعاليمه، وإليهم يعزى فضل كبير في تقديم الأزهر، ومحاولته التطور والارتقاء، ورغبته في المساهمة في مجد مصر الثقافي.
ومما هو جدير بالذكر في هذه المناسبة أن ننوه بما لقيه الشيخ المراغي من عطف المليك فقد شجعه ذلك على بث تعاليم الدين الصحيحة، ويتجلى ذلك العطف في دروس الشيخ الدينية التي رغب جلالة المليك في سماعها والتي ألقاها بين يدي جلالته، وهو تشريف جديد لم يحظ به شيخ قبل الشيخ المراغي.
لقد كان الشيخ المراغي كغيره من الزعماء المصلحين، له أنصار ومريدون يمدحونه ويصوبون خططه في الإصلاح، وينادون بمبادئه ويعملون على إذاعة فضله؛ وله إلى جانب هؤلاء حزب معارض مناوئ، لا يرونه رأيه في الإصلاح.
ومهما قيل في هؤلاء وهؤلاء فإن المناوئين للشيخ المراغي يشهدون في قرارة أنفسهم له