رجل، إذا كانت معالم الرجولة شارباً ضخماً وجسما عريضاً. غني، إذا كان الغني مالا وفيرا وبسطة في الرزق. ذو سلطان، إذا كان السلطان خنوع الآكلين من يده وخضوع الطامعين فيه.
ولكنه طفل إذا كانت الرجولة اتساعا في الأفق وبعدا في النظر وتجربة في الحياة. وهو فقير إذا كان الغنى تقديرا للمال وإنفاقا له في أوجهه، وإذا كان الغنى أن يبسط الإنسان يده فلا يغلها إلى عنقه حتى ليكاد يختنق بها. وهو تابع ذليل إذا كان السلطان قوة في الشخصية لا في النفوذ، وصلابة في الجليل من الأمور لا التافه منها.
مسكين هو! وهب الله له من أسباب الرجولة والغنى والجاه ما يتمنى كل إنسان أن يوهب؛ ولكن ماذا يفعل؟ مات أبوه وهو لم ينل من الثقافة إلا حظا لا يقيم للعقل أودا، فأنحرف به تفكيره عن أن يكمل ما يجب أن يسير فيه، وأعماه الغنى العريض الذي ترك له عن الفقر المدفع الذي ينحط فيه عقب فصار كذلك. . . رجلا وهو طفل، غنيا وهو فقير، ذا سلطان وهو عبد.
هو ضيق العقل بطبيعته، وقد زادته ثقافته المبثورة ضيقا فهو لا يكاد يفعل أمرا ألا ليدل به على الغباء العميق والفكر الضحل. ولعل هذا داعية إلى بخله الشحيح على غناه الواسع فتراه يمد للاقتراض يده وفي وسعه دائما أن يمدها إلى جيبه وغباؤه وهو وسيلة أصدقائه إليه فهم يسخرون منه في أنفسهم وينفذون من غبائه إلى ماله فيعيشون على مديحه، يأكلون من ضعف نفسيته وشعوره بما هو فيه من نقص وهو منقاد لهم ويفهمونه أنه قائدهم، وعلى الرحب منه يفهم! رجل طفل، غني فقير، سيد عبد.
عرفته حين كان لا بد لي أن أعرفه، فهو زميل المكتب الذي لا بد له من اثنين ليجلسا إليه. . . كان معي في المدرسة الابتدائية ولا حقني إلى المرحلة الثانوية، وانقطع عن الدراسة في منتصف الطريق وذهب إلى أملاكه الواسعة ولكنه دوام على الاتصال بي، ولعلي الوحيد من الذين يعرفهم ويصر على معرفتهم دون ينال مديحاً أو إعجابا. عرفت ما ينقاد إليه، ورأيت إصراره على صحبتي فوجدت حتما على أن أنبه من غفلته فنبهتها ولم تنتبه،