يأتي مصدرنا الثاني من النصف الثاني للقرن التاسع عشر. ففي سنة ١٨٨٤م قدم إلياس قدسي (وهو سوري) إلى مؤتمر المستشرقين الدولي نتائج بحثه في السنة الفائتة عن طوائف (دمشق) ويجب اعتبار هذا البحث مصدراً تاريخياً وإن كان حديث العهد، لأن معظم ما يصفه قد اختفى دون أن يدرس ثانية.
يخبرنا قدسي أنه كان على رأس جميع طوائف المدينة (شيخ المشايخ) وكان هذا المنصب وراثياً في عائلة خاصة، ولا يمكن انتخابه أو إقالته أو استبداله بشخص آخر. وكان دوره قابلاً للانتهاء إما بوفاته أو باستقالته (ويكون ذلك أحياناً بتأثير السلطان) وقد كان في زمن أقدم الحاكم الأعلى في جميع شؤون الطوائف. ويحدث المحدثون أن سلطته (أي شيخ المشايخ) كانت في زمن ما واسعة جداً تمتد حتى إلى حق الحكم بالموت. وعلى كل فقد احتفظ لزمن طويل بحق سجن أو تقييد رجال الحرفة أو ضربهم بالسياط. وكان يعيش على وقف وراثي. وقد أنقصت سلطته إلى حد كبير بعد (التنظيمات) أي الإصلاحات العثمانية في القرن التاسع عشر وأصبح مركزه رتبة شرف فقط. وكان شيخ المشايخ في زمن بحث قدسي عالماً كبيراً ولكنه يجهل تماماً جميع الحرف. وكان عمله الوحيد المصادقة على تعيين رؤساء الطوائف الذين يعينهم الأساتذة
ويظهر أن رتبة شيخ المشايخ كانت مختصة بدمشق فقط إذ لا يوجد لها أثر في أية مدينة أخرى. لم يكن باستطاعة شيخ المشايخ حضور جميع اجتماعات الطوائف شخصياً. لذلك كان يرسل موظفاً خاصاً يسمى (النقيب) في حالة وجود اجتماع لترقية بعض الأعضاء إلى صناع أو أساتذة أو لأي شيء يخص المجموع، وعندما كانت وظيفة شيخ المشايخ مهمة وذات نفوذ كان له عدة نقباء. لكن قدسي وجد نقيباً واحداً (زمن بحثه) له معرفة بالحرف وبشؤون الطوائف وهي الصفة التي كانت تنقص الشيخ.