وحلت الخمر التي شربناها فيما بعد عقدة لسانه، فأخبرني بعد لأي سبب مجيئه إلى هذه البلاد. وقبل إن يسرد علي قصته الغريبة توقف عن الحديث برهة ليستعيد حوادثها وفصولها في ذهنه، فقد جاء - كما اخبرني - من سو مطرة، وقد أساء إلى أحد الصينيين إساءة بالغة فأقسم هذا أن يقتله شر قتلة، فلم يهتم الهولاندي بهذا القسم في مبدأ الأمر وظنه من قبيل التهديد ليس إلا، ولكن الصيني حاول أن يغتاله بعد ذلك مرتين ففشل فخشى الهولاندي على حياته وأعتقد حين إذ انه جاد في قسمه، ورأى من الصواب والحكمة أن يرحل عن هذه الجهات فترة من الوقت ثم يعود أليها بعد أن تسدل الستار على حادثة هذا الصيني اللعين، فسافر إلى بافاريا ليقضي فيها بضعة أيام يروح فيها عن نفسه ولكنه لاحظ الصيني بعد مضي أسبوع من سفره يتسلل خفية في مساء أحد الأيام بجانب حائط المنزل المجاور للفندق الذي حل به مما يدل على انه كان يراقبه مراقبة شديدة ويتحين الفرص الملائمة لقتله. وزاد خوف الهولاندي على حياته حينما تبين له أن هذا الصيني يتبعه أينما سار ويرقبه بنظراته التي كان يتطاير منها شرر الحقد والضغينة، فرحل في صباح اليوم التالي إلى سربيا. وبينما كان يتجول في أحد شوارعها الكبيرة المزدحمة بالمارة بعد ظهر أحد الأيام، التفت وراءه فجأة فرأى الصيني يمشى وراءه بخفة وحذر، وكان على قيد خطوات منه، فلما التقت عيناهما تسلل الصيني كالأفعى واختفى بسرعة بين الجماهير التي كانت تملا الشارع وذعر الهولاندي لهذه المباغة وتأكد تماما أن حياته قد أصبحت مهدة بالخطر، وعاد من فوره إلى الفندق الذي كان مقيما به وحزم أمتعته على عجل واخذ اقرب سفينة إلى سنغافورة ثم نزل بفندق بمدينة فانويك. وبينما كان يتناول طعام الإفطار في بهو الفندق في صباح اليوم التالي لوصوله إلى تلك المدينة لمح الرجل الصيني يرمقه بنظراته