في مصر علماء وأطباء يقفون جهودهم سنين طويلة على تحقيق نظرية أو اكتشاف ظاهرة. وهذه قصة طبيب سلخ عشرين عاماً من حياته ليخفف عن الفلاح آلام المرض ويقي الأمة عوامل الضعف والانحلال
وهم يعيشون للناس أكثر مما يعيشون لأنفسهم حتى ليفضلون ملازمة مريض أو الاشتغال في معمل على الظهور في المجتمعات. ولذلك رأينا أن نتصل بهذه الفئة من الباحثين فنكشف عن جهودهم ونطلع الناس على أخبارهم لعلنا نوفي العاملين قدرهم.
في الوجه البحري حيث تكثر المستنقعات، وحيث وسائل صرف المياه مازالت على أسوأ طرقها تنتشر البلهارسيا بين الفلاحين فتنزف دماءهم، ولا تقف عند هذا الحد بل تسبب لهم مرض تضخم الطحال فتكبر بطون الرجال والسيدات وما هم بحبالى، إذ يحمل مرضهم طحالاً متضخما يزيد وزنه على وزن طفل في ستة أشهر. فيبلغ وزن الطحال خمسة كيلو جرامات مع أن وزنه العادي يتراوح بين ١٧٠ و ٢٠٠ جرام تقريباً أي أن المريض يحمل ما زنته خمسة وعشرون طحالا
ظل هذا المرض معضلة الطب المصري حتى سنة ١٩٢٩ إذ تمكن الدكتور أنيس أنسي بك مدير معامل الصحة من اكتشاف سببه، ثم قدم بحثه للهيئات الطبية العالمية فنال موافقتها، وأخيراً سجله في (بورصة الأبحاث الطبية) الجمعية الملكية البريطانية لطب المناطق الحارة في ٢٥ أبريل الماضي
ويتضخم الطحال لأسباب عدة، منها الإصابة بحمى الملاريا أو بالتغيرات اللمفاوية العامة؛ وفي هذه الحالات يسهل تشخيص الداء بالطرق الفنية والميكروسكوبية كفحص الدم مثلاً، إلا أنه في حالة الإصابة بالبلهارسيا تضيع كل الدلائل ولا يظهر بالطحال أي خلل أو عيب، فيرى الطبيب أن مريضه سليم الجسم، وأن كل عضو يؤدي وظيفته بانتظام إذا استثنينا كبر الطحال مما يضني الجسم ويرهق العضلات فلا يجد الطبيب مفراً من استئصاله ليخلص المريض المسكين من حمله الثقيل، ولا يخفى ما يتعرض له المريض