للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[أهمية الترجمة وحركاتها في التاريخ]

الترجمة في الإسلام

صفاتها وفهمها في أوربا

للأستاذ عبد العزيز عزت

كذلك كلما فتح العرب الممالك الواسعة في مشارق الأرض ومغاربها واختلطوا بأهل تلك البلاد، وكان بينهم من يسمو عليهم في الحضارة والفهم، أحس العرب بجهلهم وما يخضعون له منذ زمان بعيد من عرف الحكم المتقطعة والأوامر والنواهي التي لا تؤدي إلى خلق دورة كاملة للتفكير في موضوعات معينة، لأنهم قوم رحل يعشقون الحرية التي جعلتهم شعباً ملهماً تتقد فيه المشاعر وتسمو فيه البلاغة، وينضج فيه الشعر، ويسبح فيه الفكر بين الذاكرة والخيال دون أن يهبط إلى ظاهرات الوجود الدنيوي ليحلل عناصرها ويعسعس عن منطق الترابط العقلي بينها. عقلية يسودها الماضي بعرفه وذكريات أبطال القبائل، والمستقبل تحت عبء القضاء والقدر؛ رحبوا لهذا بخلق هجرة العقل، بعد أن مهدت لذلك من قبل هجرة الإيمان لسيد الخلق عليه السلام

فابتدأ تأريخ العقل عندهم حينما أسس المأمون (ديوان الترجمة) ببغداد عام ٨٣٢ ميلادية، وكان أغلب هذا الديوان من النصارى كحنين بن اسحاق، وابنه إسحاق، وكحبيش، وقسطا بن لوقا وغيرهم فذهب هؤلاء المترجمون إلى فلاسفة اليونان يتوسلون ويستجدون فطربوا على وجه الخصوص لأفلاطون وأرسطو، فترجموا للأول خاصة ما يتعلق بعهد الشيخوخة، لأن علماء تاريخ الفلسفة كأستاذنا روبان يقسم أفلاطون إلى ثلاثة أقسام: عهد الشباب ويتأثر فيه بسقراط في جمال الأخلاق وطبيعة الفضيلة، وعهد الرجولة وفيه يبسط آراءه في نظرية المعرفة وما وراء الطبيعة وطبيعة النفس

وملكاتها، وعهد الشيخوخة وهو أهم عهوده لأنه يلخص العهدين السابقين بل كل الفلسفة اليونانية إلى عهد افلاطون، كما نجد ذلك في (طيماؤس)، وكذلك فيه يضع كتبه في السياسة كالجمهورية والسياسة والقواميس، فترجمة العرب لافلاطون وأن قلت في الكم فإنها عظمت في الكيف، هذا من الوجهة المباشرة، أما من الوجهة غير المباشرة فلقد ترجم كذلك العرب

<<  <  ج:
ص:  >  >>