للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[في الاجتماع اللغوي]

تفرع اللغة الواحدة إلى لهجات ولغات

وأثر انتشارها في هذا التفرع

للدكتور علي عبد الواحد وافي

تختلف اللغات الإنسانية في مبلغ انتشارها اختلافاً كبيراً فمنها ما تتاح له فرص مواتية، فينتشر في مناطق شاسعة من الأرض، ويتكلم به عدد كبير من الأمم الإنسانية؛ كما حدث للاتينية والعربية في العصور القديمة والوسطى؛ وللإنجليزية، والأسبانية، والبرتغالية، والفرنسية، والألمانية في العصور الحديثة. ومنها ما تسد أمامه المسالك، فيقضي عليه أن يظل حبيساً في منطقة ضيقة من الأرض، وفئة قليلة من الناس؛ كما حدث للأبنو والبسكية والليتونية، ومنها ما يكون حاله وسطاً بين هذا وذاك، فلا تتسع مناطقه كل السعة، ولا تضيق كل الضيق؛ كما هو شأن الحبشية والفارسية

هذا، ولانتشار اللغة أسباب كثيرة يرجع أهمها إلى ما يلي:

١ - أن تشتبك اللغة في صراع مع لغة أو لغات أخرى وتقضي نواميس الصراع اللغوي المتقدم ذكرها في المقالات السابقة أن يكتب لها النصر، فتحتل مناطق اللغة أو اللغات المقهورة، فيتسع بذلك مدى انتشارها، وتدخل أمم جديدة في عداد الناطقين بها: كما حدث لللاتينية في العصور القديمة، إذ تغلبت على اللغات الأصلية لإيطاليا وإسبانيا وبلاد (فرنسا وما إليها) والألب الوسطى فأصبحت لغة الحديث والكتابة في منطقة شاسعة في القسم الجنوبي الغربي من أوربا بعد أن كانت قديماً مقصورة على منطقة ضيقة في وسط إيطاليا، هي منطقة اللاتيوم وكما حدث للغة العربية إذ تغلبت على كثير من اللغات السامية الأخرى وعلى اللغات القبطية والبربرية والكوشيتية، حتى بلغ الآن عدد الناطقين بها نحو ٤٠ مليوناً ينتمون إلى نحو خمس عشرة أمة بعد أن كانوا قديماً لا يتجاوزون بضعة آلاف يقطنون منطقة ضيقة في الجنوب الغربي من بلاد العرب؛ وكما حدث للألمانية إذ طغت على مساحة واسعة من المناطق المجاورة لها بأوربا الوسطى (بألمانيا وسويسرا وتشيكوسلوفاكيا وبولونيا والنمسا. . . الخ). وقضت على لهجاتها الأولى،

<<  <  ج:
ص:  >  >>