كثر الحديث في هذه الأيام عن المخطوطات العربية، ووجوب العناية بها، وجمع شتاتها المفرق في خزائن الشرق والغرب، ويجري الحديث في هذا فياضاً بالحماسة والغيرة، وينادي الكثيرون بأن العناية بهذا في مقدمة ما يجب على الأمة العربية، ولا عجب! فإن الشرق العربي اليوم في فترة يقظة يبحث فيها عن نفسه، ويجاهد ليجمع بين يومه وأمسه.
وكان قد أذيع من قبل أن اللجنة الثقافية في جامعة الدول العربية معنية بهذا الأمر، وأنها قد قررت في هذا خطة ستمضي عليها في إحياء التراث العربي وجمع المخطوطات النادرة المتفرقة، سواء ما هو منها في حيازة الأفراد أو في الهيئات والحكومات، ولكننا لا ندري ماذا بلغت من هذه الخطة وماذا أجدت في هذا السبيل.
وللتراث العربي من قديم الزمن قصة، بل مأساة أليمة مثلت فصولها ومشاهدها على مسرح الأحداث القاتمة والأيام المظلمة، فقد انتهب هذا التراث أيام غارات التتار، وفي الحروب الصليبية بالشرق، والحروب الصليبية بالأندلس؛ ثم كان أن غزا الأتراك العثمانيون أقطار الشرق العربي وبسطوا نفوذهم فكان أول ما قصدوا إليه أن نقلوا كثيراً من المخطوطات العربية إلى مكاتب الآستانة، ثم كان أخيراً أن تسلط الغرب على الشرق فتسلطت أيدي الأوروبيين على المخطوطات العربية بالسلب والسرقة والاحتيال حتى اكتظت بها مكاتب لندن وباريس وبرلين على حين أقفرت منها مكاتب العرب أنفسهم.
ولما اتجهت رغبة المغفور له أحمد حشمت باشا في مطلع هذا القرن إلى النهوض بمشروع (إحياء الآداب العربية)، ونشر المخطوطات العظيمة النادرة، كان أول ما فكر فيه هو الاعتماد على مكاتب الآستانة، فسافر فعلا إلى هناك المغفور له أحمد زكي باشا، وقام بتصوير ونقل كثير من المصادر العربية النافعة التي نشرتها ولا تزال تتولى نشرها دار الكتب إلى اليوم.
وفي هذا المقام نرى من الوفاء للحق، أن نذكر عالمين جليلين بالخير والثناء هما المغفور لهما أحمد تيمور باشا وأحمد زكي باشا، فقد بذل هذان الرجلان كثيراً من الجهود الصادقة والأموال الطائلة في العناية للحصول على المخطوطات العربية، ولكنا من الأسف لم نجد