في تصويرنا لشلر كإنسان له أخلاقه الرفيعة، لا يمكن لوصفنا - على أي حال - إلا أن ينتقص من كمال حياته، لأن أقلامنا تعجز عن وصفها الوصف اللائق بها. لقد نال هذا الرجل ما يأمله بصورة عجيبة. وحياته - على الأقل - من مرحلة رجولته لم تزل حتى الآن غير مشوشة وذات أسلوب واضح. وقد أخفى انتصاره الكامل عنا عظم النضال الذي خاضه ببسالة نادرة. يمكننا - إجمالاً - الاعتراف بأن سلوكه لم يكن عظيماً بمقدار قدسيته وربما لا يصفه شيء مثل وصفنا إياه بالراهب، بما يمتاز به اللقب من سمو روحي ونقاء وعزلة، على أن هذا الوصف لا ينطبق على مظهره الخارجي في شيء. لقد استحوذ على طبيعته حماس منقطع النظير وفي هذا تكمن قوته وفي هذا يتضح الواجب الذي عاهد نفسه على أدائه، وقد عاش في سبيل هذا.
لم تقم الميول الاجتماعية بأي دور فعال في حياته، وكابن وزوج وأب فهو دائماً حنون ومخلص ولطيف ولكن نادراً ما كانت تؤثر فيه الأشياء الخارجية تأثيرا يشبه في شيء العطفة العارمة. فهو لم يمتلك من الحرارة والحب المستعر والنحيب مثلا ما كان يمتاز به من معاصره الإسكتلندي (برنز)، وفي الحقيقة فإن اتجاهه وأمله كانا مصوبين نحو المثل الأعلى لا لما هو واقعي أرضي. وكانت سعادته العظمى لا تعني في شيء بالشرف الظاهري أو الأبهة أو اللهو أو التسلية الاجتماعية أو حتى الصداقة نفسها. . بل كان همه الأكبر منحصراً في مملكة الشعر ومدينة العقل الفضلى حيث الحياة النبيلة الحقة. وكذا الحال مع عاداته فإنها كانت أميل إلى العزلة لأن شغله الشاغل وسروره البالغ لم يتعديا نطاق التأمل الصامت، يقول أحد شراحه:(إن عدم تساهله مع اللذين يقاطعونه ويعيقون أعماله هو الذي اضطره إلى اللجوء إلى الدراسة ليلاً، على ما في هذا العمل المؤذي من إغراء ومن تعب. وقد شرع بهذه الممارسة في (درسدن) ولم يتركها قطعاً بعد ذلك. وقد