إذا ما ثبت للباحث أن الأصل أو المصدر التاريخي صحيح وغير مزيف فليس معنى ذلك أن المعلومات الواردة به ذات قيمة تاريخية كبيرة. ولا بد من نقد الأصل التاريخي من نواح أخرى. وبعض الأصول تحمل أسم مؤلفها وزمان ومكان تدوينها، والبعض الآخر الذي يكون عليه طابع الصحة وعدم التزييف يغفل بعض أو كل هذه النواحي، فينقص ذلك من قيمتها التاريخية. فكيف يقدر الباحث قيمة الأصل التاريخي وهو يجهل اسم المؤلف وشخصيته وعلاقته بالحوادث التي كتب عنها؟ هل شهدها بنفسه أم سمعها ونقلها عن الغير؟ ومتى دونها؟ هل دونها أثناء وقوع الحوادث أم بعدها بزمن طويل؟ وفي أي مكان تم ذلك التدوين؟ هل كان في مكان وقوع الحدث أم في جهة بعيدة عنها؟ من الضروري جداً معرفة كل هذه النواحي بقدر المستطاع. فكيف السبيل إلى تحقيق كل ذلك؟
إن معرفة اسم وشخصية كاتب الأصل التاريخي مسألة هامة لأن قيمة المعلومات التاريخية التي يوردها ترتبط كل الارتباط بشخصية الكاتب وبمدى فهمه للحوادث وبكل الظروف التي تحيط به على وجه العموم. فالمعلومات التي يدونها الأمير أو الحاكم تختلف عن المعلومات التي يسطرها السياسي أو صاحب المهنة أو الجندي أو رجل الشعب. وكاتب الأصل التاريخي، سواء كان شاهد عيان أو اعتمد على غيره من شهود العيان، يعتبر الواسطة التي يصل المؤرخ عن طريقها إلى الوقائع التاريخية. فإذا كان الكاتب شخصاً صادقاً عدلاً بعيداً عن الأهواء بقدر المستطاع كانت معلوماته صحيحة بصفة عامة، والعكس صحيح أيضاً. وعلى ذلك تتضح أهمية البحث لمعرفة أكبر قسط ممكن من المعلومات عن كتاب الأصل أو الوثيقة التاريخية. وفي هذه الناحية كغيرها من نواحي نقد