للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[أسبوع في فلسطين]

للأستاذ محمد سعيد العريان

لما بلغتني دعوة مصلحة الإذاعة الفلسطينية بالقدس، لأذيع حديثاً عن المرحوم الرافعي لمناسبة تمام سنة على وفاته. . . تهللت نفسي وسُريَّ عني وقلت: هذا قطر من أقطار العربية لم يزل على وفائه لكاتب العربية والإسلام. . .

ثم عادت إليّ الذكرى، فتغشاني خزي وألم حين ذكرت أن مصر العربية المسلمة لم تستطع - بعد عام - أن تقوم للرافعي ببعض حقه حتى في الدعوة إلى حفلة تأبين تذيع فضله وتذكر به. . . إلا محاولات فاشلة لا تغني ولا تقوم ببعض الوفاء!

وازدحمت في رأسي صور وخواطر، وتتابعت على عيني ذكريات وذكريات، وتدافعت إلى صدري آلام وأشجان؛ وقالت لي نفسي: بعض هذا يا صاحبي؛ وماذا كنت تنتظر أن تصنع مصر للرافعي؛ وإن بينه وبين كل أديب في مصر ثأراً لا يخفف الموت من عنفوانه وشدته!

وكأنما كانت مقالة صديقي الأستاذ سيد قطب في ذلك الوقت لتذكرني بالحقيقة التي يعيش فيها بعض أدبائنا حين يحاولون أن يجعلوا من بعض العدوات الأدبية ثأراً يتوارثه الأبناء عن الآباء، فيجعلون من دروسهم الأدبية إلى تلاميذهم ما كان بينهم وبين الموتى من العداوة والبغضاء!

. . . وهممت أن أعتذر إلى الداعي من حياء وكبرياء، خشية أن يسألني سائل هناك: ماذا فعلت مصر للرافعي ولها كانت حياته وفيها مثواه؟ فتمنعني العزة القومية أن أتهم قومي بالعقوق ونكران الجميل

ولكني جمعت عزيمتي وأقنعت نفسي بأن العلم لا وطن له، وأن البلاد العربية كلها وطن واحد لمن يستشعر في نفسه عزة المسلم ومجد العربي. وأجبت الدعوة. . .

وكنت ثالث ثلاثة من المصريين دعتهم مصلحة الإذاعة بالقدس منذ كانت لإذاعة أحاديث أدبية؛ أما السابقان فهما الدكتور هيكل باشا والأستاذ المازني.

فلسطين هي تلك البلاد المقدسة التي تربطنا بها أواصر وثيقة منذ أقدم عصور التأريخ، من أيام الفراعين، إلى صدر الإسلام، إلى عهد صلاح الدين، إلى تاريخ المماليك، إلى زمن

<<  <  ج:
ص:  >  >>