الجاذبية هي الشوق الذي يبعث اللذة ويثير الاهتمام ويحرك الانتباه ويربط السامع أو القارئ بموضوع القصة أو الرواية. ومبعث هذا الشوق اختيار الموضوع المفيد أو الطريف، واصطناع الأسلوب الخالب والصور البراقة والنوادر الممتعة والحوار القصير السديد. وأثر هذه الجاذبية إما أن ينال الذهن أو المخيلة أو الوجدان.
فجاذبية الذهن أن يكون القصص مبعثاً للنور ومصدراً للمعرفة وداعياً إلى التفكير، كالجاذبية التي تحسها وأنت تقرأ تاسيت أو ابن خلدون. ومثل هذه الجاذبية تكفي في القصص التاريخي دون القصص الشعري، لأن الأول أساسه التعليم والإقناع، والثاني أساسه التأثير والإمتاع.
وجاذبية المخيلة تكون بتصوير مناظر الطبيعة للنفس وجلاء ألوانها للعيون، بالوصف الصادق والأسلوب القوي؛ ولكن هذه الجاذبية إذا لم تقترن بأخرى لا تلبث أن تبوخ وتضعف، فإن النفس لا تعلق إلا بما ينيرها أو يثيرها، فإذا لم تهتز للقصص فلا أقل من أن نستفيد منه
أما جاذبية الوجدان، فأن يحرك القصص في نفسك عوامل الألم أو اللذة، ويثير في حسك عواطف الحنان والقلق والدهش والهول والعزاء، ويذيقك لذة الشعور بأنك حساس؛ وهذه أمتع اللذائذ جمعاء. لذلك جاذبية الوجدان أقوى من أختيها، فهي تغني عنهما وهما لا تغنيان عنها. ولو تأملت في هذه الأحاديث (الحواديت) التي سايرت الإنسانية من جيل إلى جيل، وتذكرت فعلها الساحر في قلبك وأنت صغير، وجمال ذكراها في نفسك أنت كبير، لعلمت أن سر حياتها وقوتها ولذتها هو أن جاذبيتها من هذا النوع.
وأحسن القصص وأجوده ما أشتمل على أنواع الجاذبية الثلاثة. وشرط الجاذبية أن تتدرج في أجزاء الموضوع فتبدأ ضعيفة ثم تنمو كلما نما العمل وتعقد الحادث حتى تنتهي مع الحل وقد استراح السامع ونقع نفسه. ومن ثم كان حقاً على الكاتب ألا يبوح في البداية بما سيحدث في النهاية، وإلا أخطئه التوفيق وفاته التشويق وأعوزته الجاذبية. وإذا عرفت أن قوام الجاذبية في القصص هو حسن تدرجها فيه ودقة توزعها في مناحيه ناسب أن نعرض