عندما شرعت القلم لأكتب عن ديوان العقاد الفذ (أعاصير مغرب) قرأت مقالاً للدكتور مندور في مجلة الثقافة عن (ترنيمة السرير) يقول في نهايتها: (لقد تصفحت (أعاصير مغرب) فعجبت لمن يجرؤون على تسميتها شعراً وهي نثرية في مادتها، نثرية في أسلوبها، نثرية في روحها. ونثريتها بعد مبتذلة سميكة، حتى الإحساس فيها شئ لا تطمئن إليه النفس، شئ ناب. الأدب الجيد لا بد أن يلونه الإحساس، وصاحب (أعاصير مغرب) من الكتاب الذي قد تبهرك مهارتك العقلية في التخريج، ولكني لا أذكر إلا في النادر الذي لا يذكر أنه قد استطاع يوماً أن يحرك في نفسي إحساساً فكيف له بقول الشعر؟ وكيف لنا أن نقارن شعراً كالأعاصير ونحوها بشعر المهجر الحي)
فعجبت بدوري من الدكتور مندور كيف يمسك سيفه بيده ويضرب في الهواء عن يمين فيحسب أنه قتل ألفاً، ويضرب في الهواء عن يسار فيحسب أنه قتل ألفاً! الدكتور مندور شاب نرجو منه الخير الكثير للأدب إن فارقته نزعة التعقب والرغبة في الهدم بلا استقصاء ولا روية، ولا تأن ولا دراسة شاملة لمن يتعقبهم ويحسبه قادراً على هدمهم! ذم أدباءنا وشعراءنا جميعاً: العقاد والزيات والحكيم ومن إليهم عنده طبول وأبواق؛ وعلي طه ومحمود حسن إسماعيل ومن إليهم خطباء منابر لا شعراء يصدحون! اللهم إلا شعراء المهجر؛ فهم عنده في القمة والذؤابة ومن خلاهم هباء!
وأعاصير مغرب ابعد هو - عندي - أعظم وأرق وأجمل دواوين العقاد جميعاً. قرأت كل ما قال العقاد من شعر فما اجتمع لديوان من دواوينه القديمة والحديثة ما اجتمع لهذا الديوان - في رأيي - من روعة ورونق وصدق عاطفة، وجمال أسلوب وإشراق ديباجة
ولم أفهم بعد لماذا سماه العقاد (أعاصير مغرب) ولو أنه شرح ذلك بعض الشرح في مقدمته إلا أنه لم يقنعني ولم أسترح إليه إلا في نصفه الأول (أعاصير) فالديوان في مجموعة أعاصير عاتية عارمة، نظمه العقاد إلا أقله وعالم الدنيا مضطرب بأعاصيره، وعالم النفس مضطرب بأعاصيره. بيد أنها ليست أعاصير (مغرب) إن كان العقاد التمس الغروب من (توماس هاردي) الذي ينظر إلى المرآة فيرى بشرته الذابلة تتقبض فيتوجه إلى الله مبتهلاً