يقول:(أسألك يا رب إلا ما جعلت لي قلباً يذبل مثل هذا الذبول، إنني لأحس برد القلوب من حولي فلا آلم ولا أحزن، وإنني لأظل في ارتقاب راحتي السرمدية بجأش ساكن، وسمت وقور. غير أن الزمن الذي يأبى لي إلا الأسى قد شاء أن يختلس فلا يختلس كل شئ، ويترك فلا يترك كل شئ. ولا يزال يرجف هذه البنية الهزيلة في مسائها بأقوى ما في الظهيرة من خلجة واضطراب). . . أو كان التمسه عند (بيرون) الذي نظم قصيدة (عيد ميلاد أخير) وهو في السادسة والثلاثين من عمره وقال: (آن لهذا القلب أن يسكن مذ عز عليه أن يحرك سواه؛ ولكني وقد حرمت من يهوى إلي، حسبي نصيباً من الحب أن أهوى. إن أيامي لمكتوبة على الورقة الذابلة الذاوية. إن زهرات الحب وثماره ذهبت إلى غير رجعى، إنما السوس والديدان وحسرة الأسى هي لي. . . لي وحدها تحيي. . . تلك القدرة على الهيام والهوى ليس لي منها حصة تبقى، فما لأغلالها في عنقي لا تنزع ولا تبلى؟. . .)
ما هاردي ولا بيرون بشبيهين للعقاد في هذا الذي يقولان. العقاد ذو قلب شاب فتى قوي متفتح للحياة، مقبل عليها، نهم بها، كلف بألوان الجمال وأنماط الحسن فيها، فأين يكون الغروب منه؟ العقاد يسير قلبه دائماً إلى الشباب حيث تسير قلوب الناس إلى الهرم والشيخوخة، ويصبو قلبه إلى الحياة حيث تزهد القلوب الفانية في متاعها. العقاد يصغر حيث يكبر الناس، والشاعر - بعد - طفل كبير!
لو أنه سماه (أعاصير قلب) لكان أدنى إلى الصدور وأقرب إلى الحق من اسمه الذي اختار اللهم إلا أن يكون استطراداً لفظياً مع دواوينه السابقة: يقظة الصباح، ووهج الظهيرة، وأشباح الأصيل، ووحي الأربعين، التي يعبر بها عن الزمن والأيام والسنين لا عن القلب وما به من صبى وشباب أو كهولة وفناء، وهل غرب قلب الذي يقول: