لست أدري ما الذي ذكرني الآن بهذا الموقف لشارلي شابلن في رواية البحث عن الذهب تضرب المحبوبة لشارلي موعداً، فيعد العدة له ويزين البيت له بالزهر والورق الملون، ويهيئ مائدة يقدم عليها كل ما يمكن أن يقدمه عاشق فقير مثله لمحبوبة صغيرة مثلها، في صحراء الآسكا التي أرضها ثلج وسمائها ثلج وهوائها ثلج
ولم يكن شارلي يشك مقدار ذرة من الشك في أن محبوبته موافيته راغبة مشوقة كما أنه انتظرها راغباً مشوقاً، ولكن ميعادها أزف، ثم فات، ثم بعد، فيئس شارلي، فاعترته لوثة، فأخذ يقفز في الحجرة ويرقص كما يرقص الطير المذبوح، ولكنه مع هذا كانت تصدر منه حركات تضحك إلى جانب ما تثير في النفس من الوجع
والذي لا أنساه هو أني كنت وأنا أشاهد شارلي في هذا الموقف المضحك وأبكى معاً
وليس هذا الموقف وحده هو الذي استطاع شارلي فيه أن يخبلني هذه الخبلة، وأن يوقظ في نفسي مالا يتفق بعضه مع بعض من الاحساسات والعواطف، وإنما كان له موقف آخر يشبه في رواية أنوار المدينة، فقد كان اعتاد أن يعين صغيرة فقيرة ضريرة تبيع الورد، بأن يشتري منها في كل حين زهرة، وما كان شارلي يحصل على ثمن الزهرة إلا عفواً، أو بعد عسر يطول، ومحرجات تتراكم بعضها فوق بعض، وما كان شارلي يقنع بأن يشتري الزهرة من هذه الفقيرة بالثمن الذي يدفع الناس مثله، وإنما كان قد عوّد صغيرته على أن تأخذ من يده التي عرفتها نفحة تسد الكثير من حاجتها. . .
وفي مرة من المرات التي كان شارلي يطير فيها إلى صغيرته طيراناً ليضع في يدها ما رزقه الله ليأخذ الزهرة - وقعت له واقعة من هذه الوقائع التي تتوالى عليه، فأبكاني أيضاً عندئذ وأضحكني. . .
وبهذين الموقفين آمنت بأن شارلي شابلن هو أعظم الفنانين في الأرض، ولا أقول أعظم