الذين يعتقدون أنهم مضطهدون في الحياة وأن كل من في الدنيا وما فيها من ناس وأشياء يناوئهم ويكيد لهم ويناصبهم معذورون، وإن كان الأطباء يقولون أن هذا مرض؛ فقد تتوالى المصادفة على وتيرة واحدة لا تختلف أو تتنوع حتى يكبر في وهم المرء أن هناك عمداً، فيروح يعذر بن الرومي الذي حكوا أنه كان إذا رأى النوى مبعثراً أمام باب البيت يرتد داخلاً ويقعد عن التصرف في يومه ذاك إيثاراً لطلب السلامة مما يتوهم أنه لا محالة ملاقيه من السوء والشر
حدث يوماً أني بكرت في القيام من النوم ليتيسر لي أن أكتب ما ينبغي لي أن أكتبه في ذلك اليوم، ثم أخرج لقضاء عدة حاجات لا سبيل إلى إرجاء واحدة منها. فأما الكتابة فاستحالت لأن الآلة الكاتبة تعطلت لعلة لم استطع أن أهتدي إليها، ولأني لم أجد في البيت كله لا حبراً ولا قلماً ولا شيئاً مما يستطيع المرء أن يكتب به، فابتسمت - فما بقيت لي حيلة - وقلت:(صدق المثل. . . باب النجار مخلع) وحدثت نفسي أن هذا يفسح الوقت لقضاء الحاجات الأخرى، فارتديت ثيابي وخرجت من الشقة متوكلاً على الله، فلم أكد أضع رجلي على الدرج حتى زلت قدمي، فنهضت متوجعاً على يدي ورجلي فقد هاضني الاصطدام بالدرجات وحدثت نفسي أن ساقي على الأقل لا ينقصها هذا الرض الجديد، ثم نفضت التراب عن ثيابي - بحكم العادة فإن السلم نظيف - ومضيت متحاملاً على نفسي إلى (الجراج) ولكن السيارة أبت كل الإباء أن يدور محركها. ولست حديث عهد بالسيارات ولا اعرفني عجزت عن علاج حرانها إذا كان لأسباب عارضة، ولكن الأمر استعصى عليً في ذلك الصباح حتى كدت أجن، فتركتها واستأجرت سيارة وفي ظني أنها أسرع من الترام وما إليه، فلم نكد نقطع كيلو واحداً من الطريق حتى عرض للسائق راكب دراجة خرج فجأة من زقاق، فأراد السائق أن يتقي أن يدوسه ويزهق روحه فاصطدم بحافة الرصيف وكاد يقتلني أنا أو يحطمني على الأقل. فنقدت الرجل ما استحق من الأجر وقلت: الترام أسلم وكنا عند محطته، فوقفت ثلث ساعة أنتظره وهو لا يجيء لسبب لا أدريه؛ وأنا أحتمل المشي مهما طال، ولكني لا أحتمل الوقوف خمس دقائق، فأحسست أن بدني قد