(إنما العلم بالتعلم، والحلم بالتحلم، ومن يتخير الخير يعطه،
ومن يتوق الشر يوقه)
حديث شريف
معاوية بن أبي سفيان:
استبد معاوية بأمر الشام بعد إذ جنح إليه سواده، وقامت بنصرته أجناده؛ فناوأ بهم (علياً) على عرش الخلافة، وأضرم على أهل البيت وأبناء العراق من شيعة أمير المؤمنين نار حرب عوان أعادت أيام الجاهلية جذَعة بعد أن عفَّت على تراثها أخوة الإسلام، ومسحت جراحها يد الشريعة السمحة. ومهما يكن من شأن معاوية فلقد كان صحابياً جليلا عامر القلب بالإيمان، زاخر النفس بالورع والتقوى، أشدَّ ما يكون خليفة حدباً على الإسلام والمسلمين، وأعظم ما يكون خشية على هذه البنَّيِة الناهضة أن تتصدع وتنهار، وهو يرى جوائح الحرب تعصف بقوائمها وتتحيف من دعائمها.
ولعله كان بسبيل أن يراجع أمر نفسه، ويتدبر السبيل للخروج بالمسلمين من هذا المأزق الذي التاثوا فيه عندما قُتل (علي) بيد ابن ملجم، فاستقر زمام الأمور بيد معاوية، وتدلت إليه قطوف النصر ثمراً جنياً.
ولم يصعب عليه بعد ذلك أن يعالج أمر الحسن بن عليّ بما يكفيه مؤنة قتاله ويدفع عنه شرَّ خلافه؛ فالتأمت صفوف المسمين وأغمدت سيوفهم، وسمى معاوية هذا العام عام الجماعة وكانت مسرته بالغة بما آل إليه أمر هذا الخُلْف، وثقته في مستقبله عظيمة عظَم قوته في حاضره، ثابتة ثبات كفاحه في ماضيه؛ حتى لأقبل غداة النصر على أعدائه من بني هاشم باسط اليدين بالمنحة وبالعفو وهو يقول:
يا بني هاشم: والله إن خيري لكم لممنوح، وإن بابي لكم لمفتوح، فلا يقطع خيري عنكم