من المحزن أن يوازن المرء بين فقر مصر الآن، وبين رخائها قديماً حينما كان اختلاف الصناعات وأناقتها وإتقانها تثير إعجاب الأمم المجاورة. وكان المصريون في غنى عن التجارة الخارجية لتنمية الثروة أو زيادة الرفاهية. وقد دل الكشف عن الآثار على أن المصريين انفردوا إلى حد كبير في السمو بالفنون في عهد موسى وقبل ذلك أيضاً. ولم يكن الفراعنة والكهنة وقواد الجيش في تلك الأزمنة الغابرة يعيشون وحدهم في ترف رفيع ويلبسون ارق الأنسجة الكتانية ويجلسون على سرر وكراسي نستخدمها نماذج لأثاث ابهائنا الحديثة، بل كان لكثير من أغنياء المزارعين وغيرهم من الأفراد كأولئك. ولا تزال الطبيعة تجود بنعمها على سكان وادي النيل، كما كانت في قديم الزمن. غير أن المصريين لم يعودوا ينعمون لعدة أجيال بحكومة مستقرة، فكان كل من الولاة المتعاقبين في هذه المدة الطويلة يعمد إلى تنمية ثروته الخاصة، لعدم توطد ولايته. وهكذا هلك بالتدريج كثير من المصريين وقضي على الباقين أن يعيشوا في عوز اليم. وإذ كان الذكور من السكان يكاد عددهم يزيد على القدر اللازم لزراعة الأراضي التي يغمرها الفيضان أو يسهل ريها بالوسائل الصناعية، كان عدد هؤلاء الذين يجترفون الصناعة في هذا البلد شديد القلة نسبياً. ولا تتم أعمال المصريين عن براعة كبيرة لقلة التنافس وعدم تشجيع الأغنياء. غير أن انحطاط الصناعات اليدوية يرجع إلى حد بعيد إلى سبب آخر وهو أن السلطان سليم التركي بعد أن غزا مصر نقل على ما قال الجبرتي عدداً كبيراً من البارعين في الحرف