ليست الأزهر جامعة من الجامعات المحدثة التي عاصرت جيلاً أو جيلين من الزمان؛ وليس الأزهر وليد ثقافة واحدة لم تبلُها الأحداث، ولم تصقلها التجارب، ولم تمحصها العقول والأيام. . .
إنما الأزهر تاريخ حافل بأمجد الذكريات، وسفر ممتلئ بأروع الآثار؛ إنما الأزهر عمر ثقافة عالية في اللغة والفقه والتشريع، ومثال من أمثلة التدرج الهادئ الرزين في العلم والتفكير والنضوج.
أليس من العجيب مع هذا أن يقال:(أسبوع في تاريخ الأزهر) وهل تحسب الأسابيع والشهور في تاريخ طويل ممدود لا يحسب بالعشرات من السنين، وإنما يعد بالمئين؟
بلى أنه لعجيب، ولكنه مع ذلك الأسبوع، وسيظل أسبوعاً معروفاً متميزاً لا تغمره هذه المئات من السنين!
ذلك هو الأسبوع الذي ابتدأت فيه مناقشة الرسائل التي قدمها لأول مرة الطلاب المتخرجون من كلية الشريعة لنيل شهادة (الأستاذية) في الشريعة الإسلامية
احتفل الأزهر بهذه المناسبة احتفالاً ظاهراً لا فيما أعده لها من مكان منظم منسق، ولا فيما وضعه لها من نظام محكم دقيق، فإن الأزهر يسير في أمثال هذا على طبيعته الساذجة التي لا تعرف الدعاوة ولا تحب الإعلان.
ولكنه كان احتفالاً ظاهراً لما احتشد له من علماء وطلاب، ولما شهده من رجال الفكر وأهل العلم، ولما ضم في نسق واحد بين ألوان مختلفة من التفكير، وعناصر متباينة في وجهات النظر.
جمع هذا الحفل بين العالم الكبير الذي عاش طول حياته في ظل ثقافة محافظة ترى التجديد خروجاً على الدين، وافتياتاًً على السلف الصالح من علماء المسلمين، وترى الاجتهاد والنظر مزلقة من مزالق الهوى والضلال، وبين العالم الشاب الذي يرى الحياة أمام عينيه قد اصطبغت بصبغة غير التي يعهدها هؤلاء الآباء، واتسمت بطابع غير هذا الطابع الذي ألفوا أن يروها متسمة به، والذي يرى من حقه بل من واجبه ألا يعيش بعقله وروحه في