ينسب اليهود إلى يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام. وقد أقام أجدادهم في مصر من عهد يوسف بن يعقوب إلى عهد موسى بن عمران، وهم قلة تدين بالتوحيد الذي دعا إليه إبراهيم أبو الأنبياء، وكانت الوثنية في ذلك العهد غالبة على الأرض، ولها دول قوية في مصر وغيرها من الأقطار. وقد لقي اليهود ما لقوا في مصر من الذل والهوان في سبيل دينهم، إلى أن أراد الله تعالى إظهار دين التوحيد في الأرض، وإقامة حضارة جديدة تقوم على ذلك الأساس الذي يرفع من شأن الإنسانية، وينقذها من الجهالات التي كانت تتردى فيها على عهد الوثنية. وقد بشر الله تعالى بهذه الحضارة قبل أن تظهر على الأرض بقرون، تعظيماً لشأنها، وتفضيلاً لها على الحضارات الوثنية التي سبقتها، لأنها ورثت محاسن تلك الحضارات، وخلت من الطغيان والجهل الذي كان يشوه تلك المحاسن، وقد جاء ذلك التبشير في أواخر أيام بني إسرائيل بمصر، فقال تعالى في الآيات: ٤، ٥، ٦ من سورة القصص (إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعاً يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين، ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين، ونمكن لهم في الأرض ونرى فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون)
فالذين استضعفوا في الأرض هم اليهود، القرآن الكريم حين يرثى لاستضعافهم في الأرض، ولما لقوه من الذل والهوان في مصر، وحين يبشر بأن الله يريد أن يمن عليهم ويجعلهم الوارثين في الأرض، لا يحدث عنهم في ذلك بعنوان أنهم يهود، لأن مثل هذا لا يَعْني القرآن الكريم بشيء، وكل الناس عنده سَوَاسِيةٌ من هذه الجهة، وإنما يحدث عنهم بعنوان أنهم شعب موحد، يريد الله أن يجزيهم خيراً على ما لقوه من الاستضعاف في سبيل توحيدهم، وأن يمن على الموحدين من اليهود وغيرهم بأن يجعلهم الوارثين في الأرض،