وليست وحدة الله في الإسلام هي وحدها أمارة هنا على رقي الإسلام - جرياً على مقاييس الرقي التي وضعها الباحث النفسي استنباطاً من الموازنة بين الطفولة الإنسانية والبلوغ الإنساني - بل مطالبة الإسلام كذلك بوحدة الجماعة الإنسانية عن طريق محو الفوارق، أو إضعافها على الأقل، التي توزع الناس إلى شيع وطوائف، سواء أكانت هذه الفوارق تتصل بالجنس والقبيلة أو بالعوامل الجغرافية أو الاجتماعية أو الثقافية. . . أو غيرها. إذ من لوازم خصائص إدراك الطفل - وكذا الإنسان البدائي - على نحو ما أشرنا من ارتباطه بالمحسوس تقيد صاحبه بالمحسوس الذي في محيطه، لا يوليه الأفضلية فحسب، بل يهبه مزايا الوجود كله، إذ الوجود في واقع الأمر عنده هو ذلك المحيط الذي يعيش فيه.
وعلماء الاجتماع - بالقياس على هذا - يصفون شعباً من الشعوب بالبدائية إذا كان متكوناً من طوائف أو قبائل تقف كل طائفة أو كل قبيلة عند حد وجودها الخاص لا تتجاوزه إلى ما فوقه من معنى الوطن أو الدولة، إذا الإدراك عند مثل هذا الشعب لم يخترق بعد تلك الحجب الظاهرة التي جعلت منه طوائف أو قبائل.
٢ - الوجدان:
تتجاوز الآن الجانب الإدراكي للإنسان في مرحلة طفولته الأولى إلى جانبه الوجداني. نراه في هذه الناحية أيضاً يقف عند حد المحسوس: فانفعالاته التي تتنوع إلى لذة وألم: والتي يعبر عنها مرة بالبشر والتهلل أو الضحك كثيراً وأخرى بقبض أسارير الوجه والحزن أو البكاء كثيراً، ترجع إلى ما يدركه مما حوله إدراكاً حسياً فحسب: فهو يفرح بلون الدمية التي يلعب بها لا بقيمتها الذاتية، ويتودد لزميله في ليونة وبشر ليلعب بلعبته أو ليفوز بها لا بما يدركه في الزمالة أو الصداقة من معنى يربط أحد الزميلين بالآخر ويجعل كلاً منهما يسر للقاء الآخر أو التحدث إليه. وهو يحزن - وكثيراً ما يبكي - عند مفارقته لزميله